لما كانت الانتخابات التي منحتها الحكومة البريطانية لمستعمرة عدن عام 1955م تلبي جانباً من مطالب الجمعية العدنية فقد رحبت بها الجمعية ودعت في صحفها "فتاة الجزيرة" و"القلم العدني" العدنيين للمساهمة فيها، إلا أن تلك الانتخابات كانت بمثابة محك لرابطة أبناء الجنوب العربي، التي دأبت على محاربة الجمعية العدنية بدعوى مواقفها وسلوكها الانفصالي، فرغم موافقة الرابطة أو موافقة ممثلها في اجتماع الأحزاب والهيئات على مقاطعة الانتخابات، فإنها – الرابطة- دخلت تلك الانتخابات بترشيح أحد أعضائها البارزين فيها، مما أثار السخط على الرابطة ودفع كثير من الشباب للاستقالة من عضويتها ليتحالفوا مع بقية الهيئات، وكونوا معا "الجبهة الوطنية المتحدة" لمقاطعة تلك الانتخابات والتنديد بموقف الرابطة، ولمقاومة السياسة البريطانية في المنطقة. وكانت جريدة "البعث" هي أول من تنبه للخدعة الاستعمارية حيث تبنت معارضة المشروع البريطاني ونددت به وفضحته من خلال العديد من المقالات التي نشرتها منذ أول يوم لإعلان الرغبة البريطانية، كما تولت جريدة "البعث" حمل لواء الدعوة إلى قيام جبهة وطنية عريضة تضم كل فصائل العمل الوطني لتنظيم معارضة وطنية شاملة للمشروع البريطاني الاستعماري. في تلك المرحة الخطرة والدقيقة والصعبة، كان الشيوعيون وعناصر حركة القوميين العرب ينشطون من خلال حزب الرابطة، وكانوا قد قبلوا المشروع البريطاني الذي أحرم حتى مواليد عدن من العمال والموظفين من ذوي الدخل المحدود من حق الانتخاب والترشيح. وكتب عبدالله عبدالرزاق باذيب سلسلة مقالات في جريدة "النهضة" العدنية تحت عنوان "لا.. لا تقاطعوها"، مشيرا بذلك إلى معارضة الشيوعيين لمقاومة المخطط البريطاني. لكن الجبهة الوطنية المتحدة التي نشأت في سبتمبر 1955م عن خروج جناح من حزب الرابطة بالإضافة إلى الاتحاد اليمني والعناصر البعثية وبعض الجمعيات والهيئات، استطاعت أن تبلور لأول مرة وحدة اليمن شماله وجنوبه بالدعوة إلى القضاء على الاستعمار في الجنوب والحكم الرجعي في الشمال، وتبنت الأهداف التالية: 1 - الدعوة إلى مقاطعة انتخابات المجلس التشريعي 2 - مقاومة المشروع البريطاني الذي يهدف إلى فصل عدن عن بقية أجزاء الجنوب اليمني، وإلى إقامة وضع يكون فيه العرب مجرد جالية من الأجانب. 3 - الدعوة إلى وحدة اليمن الطبيعية. كما طرحت الجبهة قضية الاستقلال والنضال الوطني على أساس وحدة النضال للشعب العربي في اليمن على شكل ولايات موحدة في ظل يمن جمهوري حر موحد، يحكمه أبناؤه من خلال دستور يحترم ويصون حرية أبنائه على طريق الوحدة العربية. وسلمت الجبهة مذكرة للحاكم العام البريطاني ضمنتها موقفها بمقاطعة الانتخابات، فرد الحاكم على المذكرة بقوله: "إن حكومة صاحبة الجلالة ممكن تناقش كل شيء.. الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن تناقشه هو أن تكون عدن يمنية طالما نحن موجودون هنا".