لم يكن تحقيق الوحدة في 22 مايو 1990م بالأمر الهين بل سبقته إرهاصات ونضالات وتضحيات جسيمة مهدت لهذا اليوم الخالد الذي نحتفل بذكراه العشرين.. وهنا صورة من صور النضال الوحدوي. في سبتمبر 1955م منحت الحكومة البريطانية (مستعمرة عدن) حق انتخاب عضوين في المجلس التشريعي، معطية حق الترشيح والتصويت لعضوية المجلس لكل مواليد دول الكومنولث المتواجدين في عدن، وبالتالي حرمت المواطنين من مواليد الشمال المستقرين في عدن من الترشيح والتصويت للمجلس، وقد نص نظام المجلس على أن يحتفظ (الوالي) لنفسه بحق نقض أي قرار يسنه المجلس يتنافى مع السياسة البريطانية في المستعمرة. كما نص القانون أن تكون أغلبية أعضاء المجلس من المعنيين والرسميين، إضافة إلى أن هذا القانون كان المراد منه أن تأخذ الحركة الوطنية بسياسة التطور الدستوري التدريجي بالتعاون والتنسيق التام مع السلطة الاستعمارية.. فقد كان الغرض منه وضع أسس قيام دولة منفصلة لعدن عن بقية أجزاء الجنوب اليمني واليمن الطبيعية، والأكثر خطورة من ذلك أن هذا القانون كان يريد فصل عدن عن سائر الوطن العربي. فقد كان الدستور البريطاني يعتبر المقيمين في عدن من مواليد الشمال أجانب، وكان يسعى من خلال قبوله والعمل من خلاله الحصول على اعتراف شعبي بذلك لتعميق جذور الانفصال ليتخذ شكلاً قانونياً وشرعياً. وكان الدستور البريطاني يعتبر المقيمين في عدن من مواليد بقية أجزاء الجنوب اليمني رعايا بريطانيا، يحصلون على بعض الحقوق المشروطة بالإقامة لمدة سنوات طويلة متواصلة وبدخل مالي معين كان أغلبهم لا يحصلون عليه. كما أعطى الدستور لرعايا الكومنولث البريطاني حقوق المواطنة، وكانت الهجرة الأجنبية على أشدها، وكانت الحركة التجارية ومعظم الوظائف وكل مرافق الحياة تحت سيطرتهم، إضافة إلى أنهم كانوا يقدرون بعشرات الآلاف ذات الأثر الواضح. أثار هذا القانون غضب كثير من الشباب الوطنيين، فوجهوا الدعوة للأحزاب والنوادي الثقافية والرياضية والقروية لاجتماع يتدارسون فيه الموقف، فحضر الاجتماع الذي عقد في مقر دار جريدة البعث للطباعة والنشر الذي يملكه المناضل محمد سالم علي عبده، حزب الرابطة والاتحاد اليمني والجمعية العدنية وبعض النقابات العمالية والأندية الرياضية والقروية، وبعد نقاش طويل اتخذ المجتمعون قراراً بمقاطعة انتخابات المجلس التشريعي للأسباب التالية: 1- حرمان مواليد الشمال من حق التصويت والترشيح للمجلس. 2- تعيين غالبية الأعضاء لأنهم سيمثلون وجهة نظر الحكومة البريطانية أكثر مما يمثلون وجهة نظر المواطنين. 3- يتمتع "الوالي" بحق النقض ضد أي قرار مما يفقد المجلس قيمته حتى لو كان كل أعضائه منتخبين. وبالتالي قرروا القيام بحملة نشر صحفية تدعو إلى مقاطعة الانتخابات وإرسال برقيات للحكومة البريطانية وإداراتها في عدن، يشجبون فيها الانتخابات.. فماذا حدث بعد ذلك؟!!.