هل ينتهي الأمر في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالإجراءات الدستورية الأخيرة التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الأكثر ضراوة منذ ثلاثة عقود عاشتها إيران. هذه الإجراءات تمثلت في مراسيم تنصيب الرئيس احمدي نجاد التي باركها أكبر مرجع ديني وسياسي في إيران، ثم مراسيم أداء اليمين الدستورية يوم الثلاثاء المنصرم التي غاب عنها عدد لا يستهان بهم من الشخصيات الفاعلة في إيران. إن الإجابة على هذا السؤال الطويل يمكن حصرها في كلمة ليس أكثر هي (لا) أو (نعم) غير أن ذلك ليس المطلوب هنا والأنجح هو عرض سياسي واستقراء تحليلي لخلفية المشهد الإيراني العام منذ الإعلان عن بدء الحملة الانتخابية الرئاسية قبل أشهر وحتى تاريخ الإعلان رسميا عن فوز المرشح الأكثر عداءً للغرب وأكثر الشخصيات السياسية الإيرانية جنوحا نحو المواجهة مع الآخر أنه الرئيس احمدي نجاد الرجل الراديكالي المقرب من بعض أهم رجالات الدين الكبار، وحبيب الحرس الثوري وقاداته المشدودين إلى العقلية الثورية والطموح السياسي المبالغ فيه، ليس في تحصين الثورة وحمايتها فحسب بل في تصديرها إلى الخارج وخلق مدرات جغرافية وعقائدية وسياسية في الجوار وماهو أبعد من الجوار.. في الواقع لم يكن نجاح الرئيس احمدي نجاد أو فشله مسألة داخلية وشأن إيرانياً بحتاً بل قضية خارجية ساخنة وشأن اهتمت له أكثر الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة.. وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا.. وبالطبع "إسرائيل".. وذلك يعود للسياسة البراجماتية والنزوع المتشدد في سياسة إيران الخارجية التي مثلتها حكومة نجاد وعبر عنها صراحة وعلنا في أكثر من مناسبة.. وهو خطاب سياسي يراهن الرئيس نجاد عليه لدى شرائح واسعة في إيران رغم أنه لم يسجل نجاحات محسوبة له داخلياً. لقد كانت زيارة احمدي نجاد لروسيا عقب إعلان نتائج الانتخابات مباشرة عملاً سياسياً، واضح بأنه سيلتزم خطه السياسي السابق في علاقاته الداخلية والخارجية.. ففي حين كان يتبادل مع قادة الكرملين قبلات التهاني الحارة بالفوز كانت هراوات الحرس الثوري تعانق أجسام المحتجين على نتائج الانتخابات وتمارس أدوات الأجهزة الأمنية وسائلها في إقناع الشارع الإيراني الملتهب بطريقتها الخاصة.. والتي أثارت قلقاً عالمياً واسعاً. الأعداء في الداخل والخارج إذاً فالغرب وعلى رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية التي أعلنت يوم أمس الأول قناعة البيت الأبيض بأن احمدي نجاد رئيس إيران الجديد، غير مرحب بهذه النتيجة أو راضٍ عنها ولو سلم بها، ولكن ذلك لا يمثل قلقاً على مستقبل إيران ولا يثير أي مخاوف لدى حكومة الرئيس احمدي نجاد بقدر ما يمثله الداخل من خطورة ويشكل تهديداً واضحاً للعملية السياسية في إيران برمتها.. فقد طالت عقوبات القمع وإكراه الخصوم على القبول بالنتائج الانتخابية شخصيات إيرانية كبيرة تمثل بعضها مراجع وقوى غير عادية، وهو ما يعني أن تركة كبيرة من الثارات السياسية والفكرية والاجتماعية سوف تطارد النظام ويطاردها، وهو ما سوف يخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي لوقت غير قصير. ويبدو أن "الضربة العسكرية" التي تلوح بها "إسرائيل" والولاياتالمتحدةالأمريكيةلإيران لردعها عن مشروعها النووي قد حدثت بالفعل عبر هذه الانتخابات، فقد استطاعت عدد من الدول متحالفة أن تضع في إيران ثورة داخل الثورة، وأن تخلق حالات من الانقسام في صفوف القيادات الإيرانية بشقيها السياسي والديني، تعد الأبرز في تاريخ الثورة الإيرانية منذ أكثر من ثلاثة عقود وهي الأخطر على مستقبل الجمهورية الإسلامية دون أدنى شك.