حتى نهاية العام الميلادي المنصرم 2010م كان الشباب العربي مغيباً تماماً عن المشهد السياسي العربي وهموم الحياة المعيشية، وكان يطلق عليه "شباب الديسكو" ليس انتقاصاً منه أو ذماً وإنما كتعبير عن عدم اهتمامه بالهموم المعيشية اليومية واهتمامه بالرقص للترويح عن النفس ومتابعة الموضة وآخر التقليعات دون أية مبالاة لما يدور حوله من أحداث مؤثرة على الواقع المعيشي والحياة اليومية، وعندما أراد هذا الجيل من الشباب العودة إلى الواقع المعاش اختار الشبكة العنكبوتية الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي لتكون منطلقاً للمدينة الفاضلة التي قرأ عنها ويحلم بالعيش فيها. ومن المؤكد ان المخابرات العالمية قد لعبت لعبتها وكان لها دور أساسي ومحوري في شحن هذا الجيل من الشباب بالأفكار الخيالية والقيام بغسل أدمغتهم، مستفيدة استفادة قصوى من تجارب تنظيم القاعدة الإرهابي في هذا الجانب، وكلاهما يستهدفان نفس الفئة العمرية من الشباب حيث يسهل تطويع هذه الفئة العمرية بسهولة إذا ما تم القيام بذلك وفق خطط علمية مدروسة وتم تنفيذها بعناية شديدة للغاية، ومثلما جعل تنظيم القاعدة الشباب يقومون بتفجير انفسهم بحثاً عن الجنة، قامت الشبكات الاستخباراتية الغربية بإنشاء وتوجيه مجموعة من القنوات الفضائية لتقوم بتنفيذ أجندة وفق المخططات المرسومة والمعدة سلفاً، ويتمثل دور تلك الفضائيات "المشبوهة" التي تبدأ بمباشرة مهامها بالتزامن مع خروج شباب العرب إلى الشوارع للمطالبة بالمدينة الفاضلة، في حين تقوم تلك الفضائيات المشبوهة بالتغطية الإعلامية وتهويل وتضخيم الواقع، إلى جانب قيام تلك الفضائيات المشبوهة بالإيحاء لأولئك الشباب بأن ما يقومون به هو عمل بطولي يفوق من حيث الأهمية ما قام به آباؤهم وأجدادهم في العهد الاستعماري لتحرير الأوطان من الاستعمار البغيض، وفتحت تلك الفضائيات خطوط هواتفها أمام المؤيدين للشباب فقط دون سواهم، مع استضافة مجموعة من المنظرين النافخين في الكير، وحرصت الشبكات الاستخباراتية الغربية ألا يكون لثوار "الفيسبوك" في كل قطر عربي قيادة موحدة وذلك حتى لا يتم التوصل مع تلك القيادة لحلول مرضية، كما حرصت أيضاً ان يكون ثوار "الفيسبوك" عبارة عن مجموعات غير متجانسة فيما بينها، فهذا ينتمي إلى الجماعات الإسلامية وذاك اشتراكي وذلك قومي...الخ. أما الهدف من وراء ذلك فهو تصارع شباب "الفيس بوك" فيما بينهم عقب لحظات فقط من نجاحهم في تحقيق أهدافهم، لتظل الفوضى الهدامة هي السائدة والمسيطرة على المجتمعات العربية كما هو الحال في العراق والصومال، وهو ما تبحث عنه وتأمل بالوصول إليه الشبكات الاستخباراتية الغربية لإعادة تشكيل خارطة المنطقة العربية من جديد، وإقامة الشرق الأوسط الجديد الذي يتيح للكيان الإسرائيلي توسيع سيطرته حتى تصبح حدوده من النيل إلى الفرات، وذلك ما يفسر سعادة رؤساء وزعماء الدول الغربية وتهليلهم لتمكن شباب "الفيسبوك" في مصر من إسقاط نظام الرئيس حسني مبارك، فالرئيس الأمريكي أوباما صار يتمنى ان يقوم الأمريكيون بتربية أبنائهم بنفس الطريقة التي يربي من خلالها المصريون أبناءهم، بينما دعا رئيس الوزراء البريطاني إلى إدراج ثورة شباب "الفيسبوك" المصري في المناهج الدراسية البريطانية، وبدورها المستشارة الألمانية أغدقت بعبارات المديح والثناء على ثوار "الفيسبوك" في مصر، وهو ما قام به أيضاً الاتحاد الأوربي ليساهم بدوره في النفخ في البالون من أجل أن تكون المحصلة هي انفجاره. وكم كنت أتمنى ان يتريث شباب "الفيسبوك" في بقية الدول العربية ويراقبون ما الذي ستسفر عنه تجربة شباب "الفيسبوك" في مصر، وعلى ضوء ذلك يقررون استنساخ التجربة أو عدم استنساخها، وعلى وجه الخصوص كنت أتمنى تريث شباب "الفيسبوك" في اليمن بالذات، فكما هو معروف ان فخامة رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح دائماً ما يستفيد من تجارب الآخرين ومما يدور حوله في الساحة العربية ويبادر بالقيام بالاصلاحات قبل ان تفرض عليه أكان من الداخل أو من الخارج. * رئيس تحرير صحيفة "الزاجل"