ثورة الأسلمة أو المجاهدون في أفغانستان هل جاء تنصيص مفهوم الجهاد بما يدخلهم الجنة حين استشهاد من كونهم يجاهدون ضد الإلحاد الشيوعي، أم من كونهم مع الحرب والشعارات والأهداف الأميركية في الصراع مع السوفيت؟!!.. في ثورة الأسلمة المؤفغنة كان الإفتاء للجهاد هو الأهم من الإفتاء للشهادة والشهداء رغم واحدية الحالة في العلاقة بين الجهاد والشهادة.. فيما تسمى الثورات السلمية تتقدم حاجية إفتاء الشهادة من حاجية الثورات للشهداء، وليس الأمر في سهولة إفتاء الجهاد كما أفغانستان، ولكن يسهل لها في متراكم التكرار "المجد والخلود للشهداء"، والمد الغربي في الثورات السلمية يحتاج شهداء وشهادات ولم يعد في حاجة للجهاد كما في أفغانستان. أرضية أو شعبية الجهاد ضد الإلحاد في أفغانستان كثورة أسلمة كانت أقوى من أرضية وشعبية الثورة السلمية في اليمن في إطار انتقال الغرب من ثورات الأسلمة إلى الثورات السلمية. فكون التغيير الذي تستهدفه ثورة الأسلمة في بلد آخر فذلك يجعل الاستهداف للواقع بعيداً أو غير مباشر وغير منظور، ومن جانب آخر عندما يرفع شعار الجهاد ضد الكفر والإلحاد فذلك يصعب مهمة الاتجاه المعاكس في الإقناع خاصة، وجملة التعبئة نجحت بشكل واسع يجعل حتى الربط بالصراع العالمي من طرف أميركا هو كفر وارتداد عن الإسلام، وإذا تبدلات جاءت بفكر التكفير فمن هذه الأوضاع تم إشاعة ثقافة التكفير بما أكسبها مشروعية المجاهرة والتفعيل. ثورات الأسلمة المؤفغنة كانت اكتساحاً شمولياً غربياً بالأسلمة لأرضية الشرق الشمولية في أفغانستان، وأية شمولية تنتصر كطرف في الاستعمال ثم تكتشف أنها ليست طرفاً في الانتصار، تصعد شموليتها بوعي أو بدونه إلى إرهاب. لا يهم أن تكون العلاقة بين ثورات الأسلمة والإرهاب هي من الانتصار ضد الإلحاد السوفيتي أو من تفجيرات نيروبي أو منهاتن بقدر ما هي علاقة فكر ثورات الأسلمة وتفكيرها عندما يطرح ثوار السلمية الآن - وقد أصبحت عواصم الغرب وبالذات أميركا مفتوحة لأفواجهم كما فتحت لأفواج إسلاميي الجهاد بعد اندحار السوفيت في أفغانستان- بأن النظام في اليمن يمارس تهويل القاعدة أو هو القاعدة، فذلك يجسد اشتباك بمستوى من التلاحم بين ثورات الأسلمة والثورات السلمية وأميركا محورية التحليل أو التحلل أو التحوير. فبدلاً من أن يكون النظام المبادر لاستخدام سمعة الإرهاب قبل 2001م أو الحرب ضد الإرهاب بعده لاستهداف أو لإضعاف الإسلام السياسي وثقله الإخوان كما في مصر أو الجزائر والذي خرجت القاعدة من تحت عباءته، فالأطراف الأخرى ظلت المبادرة لاستعماله كصراعات ضد النظام حتى بات هو القاعدة أو القاعدة هي النظام بما يخالف أي مقاييس عقل أو منطق أو واقع. القاعدة هي في ساحة الاعتصامات أو الواقع العام في اصطفاف أو التحام ضد النظام، وهي شريكة في استهداف دار الرئاسة والرئيس بأذكى وأحدث الأسلحة تقنية، كما هي طرف في الاحتفاء بهذه التفجيرات والاحتفال بوفاة الرئيس، وساحة الاعتصامات التحمت بالقاعدة في هذه الاحتفاءات والاحتفالات. أرضية ثورة الأسلمة إلى أفغانستان مارست إقصاء الأرضية الأخرى شعبياً والرأي الآخر واقعياً بواقع دعم أميركا والغرب. الثورات السلمية تمارس ذات الإقصاء والقمع من الأرضية الخارجي والدعم الإعلامي والاسناد السياسي الغربي غير الأوجه الواقعية الأخرى. إذا الأثقال السياسية في واقع اليمن هي أثقال الثورات كناصرية أو بعث أو ماركسية أو سلمية، فهي لا تفهم في الثورات كثقافة إلا إقصاء الآخر السياسي أو الشعبي، وهذه الأطراف لم يحدث ائتلاف أو تآلف بينها إلا كتوليفة استهداف آخر أو إقصاء آخر، ولذلك تستخدم قاعدة "الغاية تبرر الوسيلة". إذا صحف أطراف "المشترك" نشرت بعد أحداث سبتمبر 2001م خارطة مواقع الإرهاب، المفترض أن تستهدفها أميركا، وإذا انتخابات 2001م المحلية أكدت مناطق لعنف الإصلاح أو الإخوان فوق أي ومن خارطة الإرهاب المنشورة في الصحف المعارضة ومن مناطق الإخوان التي تجسد عنفهم في محطات سابقة، فكيف يطرح هذا العنف حين يفعل الآن على أنه ثورة سلمية أو منها وهي تلتحم به أو هو يلتحم بها؟!!.. لم يحدث في تاريخ الولاياتالمتحدة منذ استغلالها تقييد الحريات العامة أو تضييقها كما حدث بعد هجمة الإرهاب في سبتمبر 2001م، فيما أحزاب المعارضة وساحتها المعنونة ب"الثورة السلمية" احتفت واحتفلت بتفجيرات دار الرئاسة – والقاعدة الشريك الفاعل- كأنما ذلك هو الديمقراطية الحقة والحريات الحقيقية!!. ثقافة هذا التفعيل والأفعال هي ذاتها الشمولية في ثورة الأسلمة، وكأن كل ما تم هو تغيير عنوان الأسلمة إلى السلمية. ليست المشكلة في اليمن هي كما يطرح فقط في تخلف الواقع والوعي العام، ولكن في صراعات نخبوية سياسية واجتماعية التي تجعلها تطرفاتها تخلفاً أعمق وأشنع، وهي لا تشد الوعي للتخلف بل تلغيه أو تهمشه كوعي. وإذا أطراف صراعات سياسية تعرف هذا عن ذاتها وعن بعضها، فهذه الاحتفاءات والاحتفالات فاقدة الوعي والقيم السياسية والاجتماعية والدينية، لم تراع أو تحترم على الأقل مشاعر شعبية عامة وواسعة. من تجريب الأسلمة كأفغنة إلى تجريب السلمية كيمننة فالوعي الشعبي إن لم يع التجريب وصقل التجارب تعلم ليتجنب ويلات التجريب والتخريب والسعي للأفضل من واقع الأمان ومن أرضية الاستقرار. ولذلك فالحملات والحروب الإعلامية السياسية التي صبت عليها من الأرضية الغربية لهذه الثورات، وبما لم يحدث تجاه واقع وبلد آخر ولزمن أطول، أخفقت في هزيمة الشعب كشعبية اصطفاف بحسابات ووعي وطن. هذا الاصطفاف قوته الواقعية حقيقية وقوته الواعية متحققة وخياره الواعي كانتخابات مبكرة بإشراف دولي، والتوافق الدستوري لآلية تسليم السلطة يستمد قوة من واقع العالم الحر والديمقراطيات المتطورة، وليس مما يصدر "كخيار وفقوس" لمراحل مختلفة من الصراعات. الرئيس صالح لم يسمع أو يبحث عن شعبية لتناصره في البقاء في السلطة، يؤكد هذا عدم اكتراثه بالنخبوية السياسية أو الاجتماعية وبما لم يحدث في محطة صراع، وتركيزه على الشعبية العامة والأوسع التي أولويتها تجنيب الوطن الحروب والفتن، وهو لذلك استطاع تكوين جبهة عريضة واسعة تتزايد وتتسع لتثبت قاعدة التداول السلمي للسلطة بحقها الدستوري واستحقاقها الواقعي، وكاد يدفع حياته في جامع النهدين ثمناً لهذا الحق الوطني والاستحقاق الشعبي الواقعي، وليس من أجل ذاته أو مطامح له مهما قيل غير ذلك وكيل بغيره. من حق "المشترك" أن يظل تكتلاً أن أراد وكيفما يريد، ولكن على أقطابه وأطرافه كأحزاب ألاَّ تظل تحاصر نفسها بأوهام فوق ما يمثله مستوى شموليتها من حصار للوعي أو في اللا وعي. بات يعنيها التفكير في مرحلة ما بعد علي عبدالله صالح كرئيس، لأن الصراع معه كرئيس تجاوزه الزمن باستشراف الرئيس ووعيه وواقعيته، ولكنه لن يكون نقل السلطة للصراعات أو لإشعال صراعات، وإنما نقلاً يخدم ويطور الاستقرار ويجنب الصراعات بضمانات وتوازنات التوافقات الواعية والواقعية. ماذا يفرق أن يقول طرف كالقاعدة بأن الأسلمة هي الحل أو السلمية هي الحل، حتى لو ساندها الإخوان والغرب وفي ظل حروب باردة أو ناعمة؟!!..