من المعلوم أن الخفافيش تدخل في فصل سبات شتوي، وتشبيهنا لفضائية "الجزيرة" بالخفافيش لأنها دخلت أيضاً في فصل سبات امتد خمسة عشر عاماً، انتهى مع استيقاظها لتنفيذ مخطط تمزيق الوطن العربي، ولأن الخفافيش أيضا ترمز للشر وتنشط في الليل وتطير في الظلام دون أن تُسمع، وارتبطت سابقاً بقصص الرعب ومص الدماء، فهي لا تختلف عن "الجزيرة" التي نشطت في ظلام الوعي العربي وارتبطت بكل قصص الرعب والدمار وسفك الدماء في الوطن العربي. وها هي الأيام تثبت بما لا يدع مجالاً للشك النهج التدميري المحرض على الفتن والإنقسام الذي تنتهجه قناة "الجزيرة". فمن أهم أبجديات علم الاستخبارات مصطلح "تأهيل العملاء"، أي جعل العميل يكسب صفات يحبذها الطرف الآخر المراد اختراقه، أي تحسين صورة العميل حتى ينال ثقة الطرف الآخر، بحيث يسهل عليه مهمة تحقيق أهدافه ومآربه من وراء زرع هذا العميل، فالشيطان لا يظهر بصورته الحقيقية لأنه إن فعل ذلك عرفه القاصي والداني، ولكنه يظهر بصورة جميلة منمقة تخفي وجهه القبيح ومآربه الخفية. ومن هذا المنطلق تم تأهيل "الجزيرة" لتنال ثقة الجماهير العربية، ف"الجزيرة" ليست سوى قاعدة تجسسية كبرى تبث سموم الفتنة والفرقة في صفوف الشعب العربي، تم تأهيلها عبر مراحل زمنية متتالية، وأُعدت بعناية لتلعب هذا الدور الخطير الذي نشاهده هذه الأيام.. حيث أسست قناة "الجزيرة" بنفس العقليات والكوادر التي كانت تدير إذاعتي "بي. بي. سي" العربية وراديو "مونت كارلو"، وغيرها من وسائل الإعلام في الغرب، فحققت -للأسف الشديد- الاختراق المطلوب، وغيَّرت كثيراً من المفاهيم والثوابت لدى العرب، وفرضت علينا التطبيع الفكري والإعلامي مع الكيان الصهيوني، فألغت فلسطين من الخارطة لتضع بدلاً منها إسرائيل مستخفة بمشاعر الشعب العربي ونضاله من أجل فلسطين حرة عربية من البحر إلى النهر، ومن خلال نافذة "الجزيرة" أطلت شخصيات معادية للعروبة والإسلام، بل وصل الحال بهذه القناة وكوادرها إلى استضافة امرأة صهيونية في إحدى البرامج الحوارية "الاتجاه المعاكس"، قامت بالتهجم على النبي العظيم صلى الله عليه وسلم، علناً وعلى الهواء مباشرة، بحجة الرأي والرأي الآخر. لقد لعبت "الجزيرة" الدور الأكبر في تغيير مفاهيم الشعوب العربية، فحولت الصراع من صراع وجودي مع قوى الامبريالية والاستعمار إلى صراع من أجل الديمقراطية على الطريقة الأمريكية، فغيرت وجهة شحنة العداء الفطرية في الشعوب العربية ضد كل ما هو أجنبي إلى وجهة فرعية تحت مسمى الأنظمة العميلة، التي وضعتها قوى الامبريالية وجعلت مسألة وجودها لغماً ينفجر متى ما أرادت قوى البغي العالمي تمزيق عُرى الوطنية في القطر العربي الواحد، فهذه الفتنة التي نعيشها الآن في أكثر من قُطر عربي، تكمن خطورتها فيما ستؤدي إليه من انقسام رهيب في المجتمعات العربية حتى على مستوى البيت الواحد، لأنها تعتمد على أمور دقيقة ومختلطة يصعب على الكثير فهم ما ستؤول إليه الأمور لاحقاً، وتجعل الجميع ينجر لصراعات وثارات لا نهاية لها، بين مكونات الشعب الواحد.. بين طرف تملكه الحقد على النظام وسيطر على تفكيره وقبل بأن يتحالف حتى مع الشيطان لكي يتخلص من ذلك النظام، وبين طرف آخر انضوى تحت راية ذلك النظام ليس حباً فيه ولكن لرفضه أي تدخل أجنبي في شؤون بلاده، وحينها يصبح من السهل تسعير الحروب في ظل ظرف مشحون كهذا، ولنا فيما حصل بليبيا خير مثال، فلقد سيطر الحقد على الثوار في ليبيا حتى سلموا بلادهم للناتو ليستبيحها كيفما شاء، بل ورضوا بأن يُقاسموا المستعمر القديم الجديد إيطاليا وحليفتها فرنسا نفط وثروات بلدهم مقابل أن يُسقطوا نظام القذافي، فإيطاليا التي طردها أبناء المختار من النافذة بأحذيتهم قبل بنادقهم ها هي تعود من الباب الواسع كمحرر ومنقذ وهي التي قتلت من أبناء ليبيا الآلاف خلال الفترة الاستعمارية، وفرنسا التي ذبحت من شعبنا الجزائري أكثر من مليون شهيد وقادت واحدة من أبشع الحروب الاستعمارية العنصرية في التاريخ على الشعوب المغلوب على أمرها، بل وجربت أسلحتها النووية على شعبنا الجزائري، جاءت اليوم لتحمي شعبنا الليبي، فهل يُعقل أن تأمن ذئباً ليرعى قطيعاً من الغنم؟!!.. لا تستغربوا فنحن في زمن "الجزيرة" وأخواتها، وذلك أيضاً ما يُخطط له أن يحصل في سوريا واليمن..