المشهد الأول يا حمار، أنت يا حمار، أيوه أنت يا حمار.. هكذا كررها الأستاذ وهو ينادي على طالبه الجامعي، نعم لم يكن ذلك فصل في الابتدائية أو الإعدادية مع أنه حتى في تلك الفصول استخدام اللفظ للإهانة يعتبر مرفوضاً دينياً وعلمياً وأدبياً وتربوياً. يكاد الإنسان لا يصدق نفسه وهو يسمع عن أستاذ جامعي آخر ينعت طلابه بالمتخلفين، والحيوانات، لكن حتى عندما لا يكفي ذلك السب والشتم يقوم الأستاذ الدكتور بقذف الطالب بأي شيء في متناول يديه ككتاب أو مساحة سبورة. يوماً بعد يوم يكرر بعض الأساتذة في مستويات التعليم الأساسي والجامعي ألفاظ السب الجارحة، ولا يجدون في معاجم اللغة العربية المليئة بملايين الكلمات، مفردات أفضل للتربية والتعليم. كانوا يقولون لنا في الزمن الغابر: إن وزارة التربية والتعليم سميت كذلك لأهمية التربية وأولويتها على التعليم، لكن يبدو أن التربية والتعليم لم تهذّب بعض الأساتذة الذين يصرون على إهانة طلابهم في المستويات الجامعية ومستويات الدراسة المختلفة. المشهد الثاني في إحدى محاكم تعز قضى منطوق الحكم بتغريم أستاذة جامعية مبلغ وقدره 15 ألف ريال لأنها قالت لدكتور جامعي «يا حمار» بعد أن اعتدى عليها الأخير، هنالك ازدواجية في المعايير، فالمحكمة رأت في استخدام لفظ «حمار» خطأً أحمر عاقبت عليه الدكتورة الجامعية لما وجهت اللفظ نحو زميلها الدكتور. هل تحكم المحكمة للطلاب برد الاعتبار وتغرّم الدكتور الذي يدعوهم بالحمير أم أنها تتجاوز عن خطأ الدكتور الأستاذ وتؤكد فقط على أن الدكتور الجامعي فقط ليس «حمار» أما الطلاب فكل السب وكل الكلمات يجوز استخدامها معهم؟ الحمار حيوان ربما نظلمه بتهمة الغباء، لكن ما دام أن الدكتور الجامعي استحق 15 ألف تعويضاً لنعته «بحمار» فلا يحق للأستاذ الجامعي أن ينعت أحد بصفة لا يقبلها على نفسه. المشهد الثالث في أحد الفصول الدراسية الأساسية وبعد أن عجز المدرس عن إسكات الفصل استشاط غضباً ورمى الكتاب الذي أمامه فأصاب عين أحد الطلاب الملتزمين، لم يفقد الطالب بصره، لكنه فقد جزءاً من كرامته خاصة أن الأستاذ رفض أن يعتذر له، فالعيب كل العيب طبعاً أن يعتذر المدرس حتى ولو كان تصرفه معتوهاً، ففي مجتمعاتنا هنالك مدرسون لا يخطئون ولا يعتذرون. المشهد الرابع في منظر سجّلته كاميرا أحد الطلاب، يظهر طلاب مدرسة ثانوية في مدينة تعز وقد استلقوا على الأرض متكئين على أيديهم وأرجلهم ووجهوهم مستقبلة الأرض، للوهلة الأولى يبدو وكأن الطلاب ينتظرون الأمر بالبدء بتمارين رياضية، لكن ما يلبث أن يظهر في المشهد وكيل المدرسة الذي بدأ بضرب الطلاب على مؤخراتهم، وبسرعة المتمرس انتقل سعادة الوكيل بين طوابير الطلاب محاولاً أن لا يستثني منهم أحداً في منظر سادي بشع يُرفُض استخدامه اليوم حتى مع المجرمين والسجناء وحتى الحيوانات، لكنه من وسائل التربية والتأديب في هذه المدرسة. المشهد الخامس في مكان آخر يضرب مدرس طفلاً ضرباً ظهرت آثاره على جسد الطفل، يذهب الأب إلى المدير الذي يتجاهل شكوى الأب، فيقوم الأب بانتظار المدرس خارج المدرسة للاعتداء عليه وضربه وإيذائه، ثم يكبر الموضوع فيأتي أهل المدرس المضروب ويصبحون جزءاً من القضية، ثم تأتي قبيلة الأب المعتدي ببنادقهم وعصيهم، ثم تتبعهم الأثوار لتصحح ما فعلته القبيلتان، ولتغطي عجز إدارة التربية والتعليم وضبابية توجيهاتها بشأن تعنيف الطلاب والتعامل المسيء لهم. لا أدري إن كان هناك قانون صادر من وزارة التعليم العالي بشأن تعامل المدرسين مع الطلاب، إذا كان فمن المهم تطبيقه والتعامل مع الأساتذة الجامعيين الذين يستخدمون الألفاظ غير اللائقة والمسيئة للطلاب. أما بالنسبة لوزارة التربية والتعليم فلديها قرار وزاري رقم 426 لعام 2012 والذي يمنع استخدام العقوبات الجسدية والنفسية مع الطلاب، لكنه كبقية القوانين بحاجة إلى تفصيل وتفعيل وآلية واضحة للتنفيذ. لا قيمة لقرارات وزارة التربية والتعليم إذا لم تدعم بآليات لتنفيذها وأدوات توعوية توضح ما يعني العنف الجسدي والنفسي وضرورة أن يشمل ذلك استخدام الألفاظ غير اللائقة، وغير المقبولة من ألفاظ السب و الشتم والإهانة التي يلجأ إليها بعض المدرسين كوسيلة «للتربية والتعليم».