ما حدث من خلاف في عام 1990م بين مكوني الإصلاح الديني، المُمَثَّلين في الإخوان بقيادة الشيخ الزنداني، والسلفيين الطهرانيين بقيادة الشيخ الراحل مقبل الوادعي، أصبح بمثابة جسر عبور للمعادلة التكتيكية الميكيافيللية، السياسة التي تبنَّاها أحد مكوني النظام اليمني الموروث من الجمهورية العربية اليمنية سابقا ً، وقد تابع الجميع يومئذ من أيام ما بعد وحدة مايو لعام1990م، مجاهرة الراحل مقبل الوادعي بطاغوتية حزب الإصلاح.. القابل للعمل مع يساريي الجنوب وعلمانيي الشمال!. ذلك يتكرر تاريخياً وبصورة ماكرة في المحنة الصومالية القريبة من تخوم اليمن، عبر انشقاق المجاهدين السلفيين الشباب عن تيار المحاكم الإسلامية الإخواني، الرائية لضرورة اللعبة السياسية ولمقتضياتها البراغماتية، وصولاً إلى مقارعتهم السافرة على الأرض، كما يفعل الجهاديون القاعديون العابرون للبحار والقارات. ما لفت أنظار المراقبين في اليمن في ذلك اليوم البعيد القريب من عام 1990م أن مكون السلطة الثاني ممثلاً في ترويكا الرئيس السابق علي عبدالله صالح قدَّم دعماً ناجزاً للسلفيين في صعدة، وقد كان الشيخ الراحل الوادعي خير تعبير عن رؤيتهم ومنهجهم العدمي في قراءة المستقبل.. لكن الأهم من هذا وذاك أن استزراع هذا النمط من السلفية الجهادية الأيديولوجية في محافظة صعدة كان تحدياً صارخاً للتاريخ والجغرافيا اليمنية بعامة، والصعداوية بخاصة، باعتبار أن صعدة تمثل رافداً كبيراً من روافد الزيدية التاريخية الوسطية المقرونة بفقه الكلام المعتزلي، وهي بعيدة كل البُعد عن هذا الاسترجاع الرائي لتيار ديني سياسي مناجز لموروث الفقه والتاريخ والجغرافيا .. لكن رأس النظام في صنعاء، ومستشاريه الميامين، اعتبروا هذا الوجود السلفي الصاعق رسالة تليين وتعطيل لمشروع حزب الإصلاح الإخواني المُسيَّج بالبُعدين الديني السياسي، والقبلي الميداني، فماذا حدث بعد ذلك؟ سنحاول غداً الإجابة على هذا السؤال، بقدر المساحة المتاحة