خرج الملايين حول العالم في مظاهرات ومسيرات حاشدة، أمس، احتفالاً ب«عيد العمال»، وسط اضطرابات سياسية واقتصادية تعصف بعدة دول، الأمر الذى أجبر البعض على الاحتفال فى جو من التوتر، مثلما حدث فى مدينة إسطنبول التركية، حيث وقعت صدامات بين متظاهرين ورجال الشرطة، بعد عام على موجة الاحتجاج التى شهدتها البلاد ضد حكومة رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان. واستخدمت الشرطة التركية خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع، أمس، لتفريق مئات المتظاهرين الذين حاولوا اقتحام الطوق الأمنى لدخول ساحة «تقسيم» فى إسطنبول، التى كانت مركزاً للمظاهرات المناهضة للحكومة العام الماضى، متحدّين بذلك حظراً فرضته الحكومة على التظاهر فى الساحة. لكن سُمح لاتحاد العمل «تورك- إس» بوضع إكليل من الزهور فى «تقسيم»، فى ذكرى 34 شخصاً قتلوا خلال مظاهرة جرت فى 1 مايو عام 1977، حين أطلق متظاهرون لم تعرف هوياتهم النار فى الهواء مسببين حالة ذعر. وانتشر عشرات الآلاف من عناصر الشرطة لمنع الوصول إلى «تقسيم»، وشلت حركة وسائل النقل العام فى إسطنبول، حيث أغلقت السلطات الطرقات وعلقت خدمات العبارات، وأغلقت محطات المترو لمنع مجىء حشود من المتظاهرين. من ناحيته، هنأ أردوغان العمال، أمس، مؤكداً أن «الحوار المتبادل يحقق شروط عمل أفضل»، فيما دعا الرئيس التركى، عبدالله جول، إلى الاحتفال «بأمن وسلام». وفى كمبوديا، شهدت الاحتفالات بعيد العمال اضطرابات أيضاً، حيث دعت النقابات إلى التظاهر لدعم عمال قطاع النسيج، الذين ينفذون إضراباً فى منطقتين اقتصاديتين قرب الحدود مع فيتنام، للمطالبة بزيادة أجورهم. واستخدمت الشرطة الكمبودية الهراوات والعصى لتفريق المتظاهرين، الذين تجمعوا قرب منتزه «الحرية» فى «بنوم بنه»، الذى أغلق لمنع وصول معارضين لرئيس الوزراء، هون سين. وفى الوقت ذاته، خرج عشرات الآلاف من المواطنين اليابانيين إلى الشوارع للمشاركة فى مظاهرات عيد العمال، داعين الشركات إلى تحسين بيئة العمل، منتقدين السياسات الاقتصادية لرئيس الوزراء، شينزو آبى. وفى ماليزيا، تجمع آلاف الأشخاص فى العاصمة كوالالمبور، للاحتجاج على ضريبة جديدة تعتزم الحكومة فرضها على السلع والخدمات بدءاً من إبريل 2015، وقطع الدعم الحكومى عن بعض القطاعات فى الآونة الأخيرة، واستغل المتظاهرون هذه الفرصة لتوجيه انتقادات أخرى إلى الحكومة، وتحديداً فيما يخص محاكمة زعيم المعارضة، أنور إبراهيم، وطريقة معالجة أزمة الطائرة الماليزية المفقودة. وجرت مظاهرات أخرى أيضاً فى إندونيسيا والفلبين، فضلاً عن اقتصادات تعتبر بين الأكثر تطوراً فى آسيا، مثل هونج كونج وسنغافورة وسيول أو حتى تايوان، حيث تظاهر 10 آلاف شخص فى تايبيه للمطالبة بزيادة الرواتب. وفى موسكو، تجمع حوالى 100 ألف شخص فى الساحة الحمراء للمرة الأولى منذ 1991، احتفالاً بعيد العمال، فى استعادة لتقليد يعود إلى حقبة الاتحاد السوفيتى، وسط موجة وطنية واسعة تشهدها روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية. ورفعت لافتات تقول: «أنا فخور ببلدى»، و«بوتين على حق»، فى إشارة إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورحب عدد من اللافتات وخطابات ممثلين نقابيين بانضمام شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى روسيا فى مارس، بعد استفتاء اعتبرته كييف والمجتمع الدولى «غير قانونى». وأفاد رئيس اتحاد نقابات روسيا، ميخائيل شماكوف، بأن أكثر من مليونى شخص شاركوا أمس فى مسيرات فى أنحاء البلاد. وفى أوروبا، جرت أيضاً عدة مسيرات بمناسبة «اليوم العالمى للعمال»، الذى أطلق أثناء تحرك من أجل خفض ساعات العمل فى نهاية القرن التاسع عشر فى الولاياتالمتحدة. ففى فرنسا، تظاهرت النقابات تحت شعارات مختلفة فى العاصمة باريس، بعضها احتجاجاً على خطة ادخار 50 مليار يورو، التى أعلنها رئيس الوزراء، مانويل فالس، وأخرى تحت شعار «دعم أوروبا». وجرت مسيرات أيضاً فى إسبانيا، التى تتعافى من أزمة اقتصادية ولاتزال تسجل مستويات بطالة قياسية، حيث أفاد منظمون بخروج مظاهرات فى مدريد وأكثر من 70 مدينة أخرى. وتظاهر الآلاف فى أثينا وتيسالونيكى، شمال اليونان، احتجاجاً على التقشف و«من أجل أوروبا اجتماعية»، مذكّرين بأن «الثروة هى ثمار جهود العمال لا الرأسماليين»، بحسب هتافاتهم، لكن المشاركة فى الاحتجاجات بدت ضعيفة مقارنة ببدء الأزمة المالية فى 2010. وفى إيطاليا، حيث تعهدت حكومة رئيس الوزراء، ماتيو رنزى، بإعادة الثقة للإيطاليين الذين يخرجون لتوهم منذ أكثر من سنتين من الانكماش، تظاهر الآلاف ضد البطالة والتقشف. وجرت مواجهات بين الشرطة ومئات المتظاهرين فى تورينو، حيث أطلق المتظاهرون قنابل الدخان على الشرطة التى طاردتهم فى المدينة الصناعية. وعربياً، أطل يوم العمال العالمى على عمال قطاع غزة، وسط ظروف اقتصادية وإنسانية صعبة، فيما ألغى الاتحاد العام لنقابات العمال فى القطاع الفعاليات الاحتفالية، احتجاجاً على ما وصفه ب«التهميش الذى يتعرض له العمال» من قبل حكومة غزة المقالة، التى تديرها حركة «حماس»، والرئاسة الفلسطينية. وفى رام الله بالضفة الغربية، نظم «اتحاد عمال فلسطين» مسيرة حاشدة، بمشاركة نقابيين وعمال ونشطاء، وسط هتافات مطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور، فى حين تعهد وزير العمل الفلسطينى، أحمد مجدلانى، بتشديد الرقابة على المؤسسات والمنشآت الخاصة، لإلزامها بتطبيق الحد الأدنى للأجور، الذى أقرته الوزارة قبل نحو عامين. وفى المغرب، قررت الحكومة، التي يقودها «الإسلاميون»، زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 10% مقسمة على سنتين، ابتداء من بداية يوليو 2014، بعد مفاوضات شاقة، وذلك قبيل خروج مظاهرات للنقابات الكبرى إلى شوارع البلاد للاحتفال بعيد العمال. وفى اليمن، هدد الاتحاد العام لنقابات العمال، للمرة الأولى، الحكومة اليمنية باحتفاء مختلف عن الأعوام السابقة، إذ أعلن أمس الأول أنه لن يحضر الاحتفال الرسمي للحكومة. ويشكو الكيان العمالي في اليمن من «تهميش الحكومات اليمنية المتعاقبة للاتفاقيات الدولية، واتخاذ القرارات دون إشراك ممثلي العمال وأرباب العمل»، بحسب مصادر قيادية في اتحاد نقابات العمال. ويطالب الأمين العام لاتحاد نقابات عمال اليمن، فضل العاقل، «بقوانين تحترم حقوق العمال وتوفر لهم الحماية والرعاية الصحية، وأن يتسلموا أجوراً منصفة».