شكك مراقبون بان تكون المصالحة اليمنية التي جاءت برغبة سعودية تهدف لتلافي انهيار الدولة واعتبروها فقط لإعادة إنتاج نظام "علي صالح وترميم تصدعه اثر احداث 2011 ابان ثورة الشباب السلمية . فبعد حوالى 3 سنوات من توقيع المبادرة الخليجية 23 نوفمبر/ تشرين ثان من العام 2011، في العاصمة السعودية الرياض التي بموجبها نُقلت السلطة من الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، إلى نائبه (الرئيس الحالي) عبد ربه منصور هادي، يبدو أن الأخير شعر بأن الأمور لا تسير على ما يرام، وأن المبادرة ومعها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل لم تعد كافية لمساعدة اليمن في الخروج من "النفق المظلم" الذي يتحدث عنه هادي في أغلب خطاباته، وبات واضحًا أن وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل تواجه عدة عراقيل حالت دون تنفيذها، وبدأ اليمنيون بمن فيهم الرئيس هادي، يفقدون الأمل في أن يكون لهذه الوثيقة أيّ معنى على الأرض، ما لم تكنْ هناك مصالحة وطنية تلم شمل اليمنيين، وتوحّد جهودهم في بناء دولتهم، وتُنهي الصراع المسلّح الدائر في أكثر من منطقة يمنية، وتتورط فيه قوى وحركات يمنية بعضها شارك في مؤتمر الحوار مثل جماعة الحوثيين المسلحة. مبادرة هادي.. والعشر نقاط وأطلق منصور هادي في 27 يوليو/ تموز الماضي، عشية عيد الفطر مبادرة من 10 نقاط لتحقيق ما وصفه ب"اصطفاف وطني لا يستثني أحدًا"، في سبيل "وقف النزاعات المسلحة والحفاظ على الجمهورية والنهج الديمقراطي واستكمال العملية الانتقالية وتنفيذ مخرجات الحوار ومحاربة الإرهاب"، ودشّن "هادي" هذه المصالحة بحضوره صلاة العيد جنبًا إلى جنب مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ومستشار هادي لشؤون الدفاع والأمن علي محسن صالح (العدو اللدود لصالح) بجامع الصالح، وكان هذا المشهد بمثابة الخطوة الأولى للمصالحة الوطنية الشاملة التي دعا إليها الرئيس في أكثر من خطاب، وشدد على ضرورة الإسراع في تطبيقها، خاصة بعد عودته من زيارة مفاجئة إلى السعودية، في وقت سابق من الشهر الماضي، عقب سقوط مدينة عمران (شمال) بيد مسلحي الحوثي. مجزرة جمعة الكرامة وبغض الطرف عمّا إذا كان "صالح" صافح "محسن" يوم العيد، والأخير انشق عن نظام "صالح" في 21 مارس/ آذار 2011؛ أي بعد يومين من "مجزرة جمعة الكرامة" التي راح ضحيتها ما يزيد عن 50 من شباب الثورة اليمنية، إلّا أن مجرد حضورهما للصلاة في مسجد واحد، وفي أول لقاء يجمعهم منذ الإطاحة بنظام "صالح" يشي بأنّ الأمر لم يكن من قبيل الصدفة، وإنما جرى ترتيبه سلفًا، قُدم للناس كما لو كان عفويًّا لامتصاص غضب المواطنين، خصوصًا شباب الثورة الذي يرون أن "صالح" ونظامه يجب أن يخضعوا للمحاكمات، لا أن تعقد معهم صفقات من قبيل المصالحة الوطنية الشاملة. ويرى مراقبون أنّ "صالح" استجاب لطلب سعودي نحو مصالحة شاملة نتيجة تخوفات المملكة العربية السعودية من النفوذ الحوثي (الشيعي)، وحصولها على أنباء مؤكدة سُربت من عمران، تُفيد بمشاركة بعض رجال نظام "صالح" إلى جانب الحوثي في حربه ضد الجيش والقبائل الموالية له، وذلك انتقامًا من الثورة التي أطاحت بنظام صالح. الوقوف في مواجهة الحوثي وتحدثت بعض المصادر في صنعاء بأن السعودية ربطت معوناتها المالية المقدمة لليمن بإجراء المصالحة الشاملة بين فرقاء العمل السياسي في اليمن، كون الرياض تنظر إلى هذه المصالحة باعتبارها "القادرة على الوقوف في مواجهة الحوثي"، وجعله طرفًا وحيدًا مقابل كل الأطراف اليمنية، وحينها، ستضغط المملكة باتجاه إصدار عقوبات أممية على جماعة الحوثيين المسلحة، وفقًا للقرار 2140 بشأن معرقلي التسوية في اليمن وتلافي شبح انهيار الدولة. ويقول محللون إنه أصبح من الواضح وجود رغبة محلية في إجراء مصالحة وطنية شاملة بين القوى السياسية كافة، وأن هذا ربما يعزّز بقايا الأمل في بناء الدولة اليمنية التوافقية، التي تتشارك في بنائها القوى اليمنية كافة دون استثناء، مدللين على هذا بالدعوات التي أطلقتها بعض القيادات الحزبية بضرورة الإسراع في عقد مصالحة كفرصة أخيرة لتلافي شبح انهيار الدولة. ويرى المحلّل السياسي اليمني ياسين التميمي أنّ المصالحة الوطنية التي دعا إليها الرئيس اليمني، لا تنحصر في إنهاء الخصومة بين أطراف سياسية بعينها أو شخصيات مؤثرة في المشهد السياسي، ولكنها تأتي في إطار أشمل. وأوضح التميمي أن دعوة الرئيس التي وردت في خطابه عشية عيد الفطر المبارك، هي إلى اصطفاف وطني يتأسس على نقاط 10 أبرزها تنفيذ مخرجات الحوار الوطني ودعم الإصلاحات الاقتصادية، والمساهمة في تحفيز أطراف في الحراك الجنوبي على التفاعل مع العملية السياسية. واستطرد "المصالحة الوطنية تبدو أشمل مما هدفت إليه جهود الوساطة السعودية، والتي تركزت حول إعادة ما انقطع بين أطراف التحالف الشمالي، الذي حكم البلاد خلال العقود الثلاثة الماضية، وهو الحلف الذي كان وما يزال يحتفظ بعلاقات ودية مع الرياض، وقد حرصت الوساطة السعودية على إعادة ترميم هذا التحالف من أجل كبح جماح خطر الجماعة الحوثية المسلحة، ذات التوجه الشيعي المشتبه في تلقيه دعمًا من إيران، خصوصًا بعد سقوط مدينة عمران بيد الحركة. دورة استقطاب جديدة وتوجد مخاوف حقيقية من إمكانية أن تؤدي جهود الوساطة السعودية، بحسب المحلل السياسي اليمني، إن لم تتناغم مع دعوة الرئيس للمصالحة، إلى خلق معطى جديد، قد يساهم في دخول البلد في دورة استقطاب جديدة، مولدة لصراعات سياسية وعسكرية، تتأسس على أولويات وأجندات إقليمية، وإن حدث ذلك فإنّه سيؤثر بالتأكيد على فكرة الاصطفاف الوطني بكل ما تعنيه من مصالحة وطنية شاملة، تدفع بجميع الأطراف إلى العمل معًا لإنجاز عملية الانتقال إلى مرحلة الدولة الاتحادية تأسيسًا على اتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن، ومخرجات الحوار الوطني، ورغم أن موضوع المصالحة الوطنية الشاملة يحظى بتسويق رسمي وحزبي يمني جيد، إلا أن كثيرين يبدون جملة من التخوفات حيال ذلك، إحداها أن تكون المصالحة مجرد إعادة إنتاج نظام "صالح" وتحالفاته السابقة على حساب الدولة المدنية التي ينشدها غالبية اليمنيين. ضمانات تنفيذ نتائج الحوار وكان مؤتمر الحوار الوطني في اليمن الذي اختتم أعماله في 25 يناير/ كانون الثاني الماضي، بمشاركة محلية وعربية وعالمية، بالتوقيع على وثيقة ضمانات تنفيذ نتائج الحوار الهادف إلى عبور البلاد المرحلة الانتقالية التي بدأت بعد علي عبد الله صالح عام 2012، بموجب مبادرة خليجية عقب الثورة الشعبية التي اندلعت ضده في فبراير/ شباط 2011، ورسمت مخرجات الحوار الوطني خريطة طريق لمستقبل اليمن ووضعت حلولًا لمختلف قضاياه، ومنها القضية الجنوبية وأكدت على ضرورة نزع السلاح وعدم المواجهة بين أبناء الشعب الواحد وتغليب مصلحة الوطن.