بلغت توترات العلاقة بين الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ورئيس الوزراء محمد سالم باسندوة أوجها وازدادت حدتها اكثر من ذي قبل، ويعود بداية التوتر في العلاقات الى ما قبل انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الذي لم يحضر باسندوة جلسة افتتاحيته وخاتمته. وأوعز الكثير من المراقبين أن التوتر بين الرئيسين يعود إلى سيطرة الرئيس هادي على القرار في توجيه سير عمل الوزراء وهو ما لم يقبله باسندوة واعتبر ذلك انه يشل اداء الحكومة كجهاز تنفيذي متكامل . وشكا باسندوة أكثر من مرة التدخلات التي يقوم بها الرئيس هادي في شل أداء الحكومة سوى تلك المتعلقة بملف القاعدة والحوثيون. ويعتبر محمد سالم باسندوة من الشخصيات اليمنية الاكثر مدنية، ورجلا تميز بعمله المدني والسلمي المستنير وقد خدم اليمن طيلة فترة عمرة، وقد شغل العديد من المناصب في الشمال والجنوب، وكان رئيس للجنة التحضير للحوار الوطني قبيل اندلاع ثورة 11فبراير،ثم رئيسا للمجلس الوطني لقوى الثورة، وتم اختياره رئيس للوزراء في التسوية السياسية (المبادرة الخليجية )نهاية نوفمبر2011م،وخلال السنتان الاولى من عمر المبادرة الخليجية كان الرئيس باسندوة الرجل الوحيد الذي رضي بهذا المنصب في وضع استثنائي محكوم فيه الاداء مسبقا، وهو ماجعله عرضه لسخرية واستهزاء وقدح إعلام النظام السابق. ومنذ تسلمه رئاسة الحكومة يرفض موكب السيارات الخاصة برئيس الوزراء ويكتفي بسيارة واحدة، واجه باسندوة الكثير من العراقيل في إدارة حكومة الشركاء فيها متشاكسون، وحقق تقدم ملحوظ في استقرار سعر العملة خلال السنتين الماضية، رغم الاستهداف الممنهج الذي تقوم به الثورة المضادة (صالح وحلفائه) في ضرب أبراج الكهرباء وتفجير أنابيب النفط، وافتعال الاحداث الامنية ،وقد تعرض لأكثر من محاولة للاغتيال، فهو في أحد خطاباته يقر بأنه سيكون «فدائيا من اجل اليمن». يبدوا ان الناس يطلبون من هادي ما لا يستطيع عمله، مما يجعله يلوذ إلى «التطنيش» والمماطلة والتطويل، والتصريحات التي لاتسمن ولا تغني من جوع. ويعتبر بعض المراقبين أن الرئيس هادي «رجل وحيد لا تحميه قبيلة والجيش والامن والشرطة ليست موالية له.. فهي تتلقى أوامرها من غيره بحسب ما قاله لأبناء القشيبي.. فكل الناس تعرف مثلا ان قوات النجدة والمعنية بالأمن لاتخضع له، وكذلك بقية وحدات الجيش المتواجدة في نطاق العاصمة، بالإضافة الى ذلك فالخزينة فارغة فكيف له ان يمول اية تحركات لمواجهة المخاطر المحدقة». ومن هنا فليس أمامه سوى المحاورة والمداورة، واللجان الرئاسية والوفود إلى أن يجد من ينقذه أو يخرجه من هذه الورطة المهلكة. أما تمويله لمواجهة القاعدة فذلك يأتيه من برنامج محاربة الارهاب من امريكا ولجوئه الى دول الخليج تكاليفها باهضة وهو لا يقدر عليها، ولولا رفع أسعار المشتقات النفطية لما وجد مرتبات الموظفين والعساكر، ولأصبح الدولار بخمسمائة ريال ما سيجعل البلاد تنهار وتسقط الدولة بكاملها. ومعروف ماذا سيقع بعد ذلك، هذه الافتراضات تدحضها تصرفات الرئيس هادي في الجانبين العسكري والامني فوزير الدفاع الذي يأتمر الجيش بأمره مقرب من الرئيس هادي والحاكم العسكري بأمره يملك القوة في مواجهة كل الاخطار التي تهدد انهيار الدولة. وتخوض جماعة الحوثي المسلحة جهود غير منقطعة النظير في محاصرة العاصمة صنعاء، ويقول الكاتب الصحفي محمد العمراني: «يبدو لي أنه قد تم إقناع القوى السابقة الذكر بأن إقتحام صنعاء سيكون محددا ولأهداف تم الإتفاق عليها مع قوى دولية وإقليمية ولضرب التيار الإسلامي وتدمير مؤسساته واستهداف شخصياته فقط وسيكون لأيام محددة ثم تنسحب مليشيات الحوثي وبعدها تتفق هذه القوى على استنكار وإدانة ما حدث وشجبه بشدة ثم يتم تعيين حكومة كفاءات وطنية نصفهم أو ثلثهم موالون للحوثيين من شخصيات ظاهرها مستقلة وباطنها حوثية وحينها ستدعو القوى الدولية المتآمرة على اليمن مليشيات الحوثي للإنسحاب ولن تنسحب لكنها ستتفرق أو ستضع السلاح الثقيل في أماكن تابعة لها وستنتشر قوى أمنية وعسكرية موالية لها كدليل على فرض الدولة لهيبتها وأستعادتها للعاصمة مثلما حدث بعمران عندما كانت الشرطة العسكرية الموالية للحوثي هي من تنتشر في الأماكن المطلوبة ولفترات محدودة أو أن مليشيات الحوثي سترتدي زي عسكري من مخازن وزارة الدفاع». ويضيف الكاتب العمراني: «وما يؤكد هذا الطرح ويعززه في الواقع هو رفض هادي القاطع لإقالة وزير الدفاع الذي يقدم كل يوم خدمات كبيرة وجليلة لمليشيات الحوثي عيني عينك وفي وضح النهار وقد قام بتوجيه كل المعسكرات في حزام العاصمة وداخلها بعدم إعتراض مليشيات الحوثي أو مواجهتها وتزوديها بالغذاء والسلاح والذخائر ولا يغرنكم بعض التجهيزات العسكرية فهي لزوم ذر الردماد على العيون وإيهام الرأي العام والضحك على الناس كما أن هادي رفض وبشدة دعم قوات الجيش أو اللجان الشعبية في الجوف والتي تقاتل مليشيات الحوثية المعتدية على منطقتهم وكذلك كثرة خطوط التواصل الحوثي مع هادي وبشكل يومي وحميمي». وأوضح العمراني قائلا: «ولا يغركم هادي بتصريحاته فهذه لزوم التخدير والضحك على الذقون والخداع وكسب الوقت لمليشيات الحوثي التي يعلم أنها بدأت تحرك أسلحتها وهو قادر على ان يقطع الطريق عليها لكنه ينفذ مخط دولي تخريبي يستهدف القوى الوطنية في اليمن حتى يتم إزاحة التيار الإسلامي وضرب قواه وشخصياته ومؤسساته تماما وبعدها يحكم الأمريكان وأدواتهم من العلمانيين والليبراليين والناشتين والناشتات اليمن وبالدستور الذي يصيغه الأمريكان وأدواتهم العقد الإجتماعي اليمني الجديد». كما توقع العمراني أن «تقوم وزارة الدفاع بإنزال قوات كبيرة لمداخل صنعاء لمنع أبناء القبائل من نجدة أهالي صنعاء كما أن مليشيات الحوثي التي أتفقت مع هذه القوى المتآمرة لها أهدافها وهي حكم اليمن ولو بأشخاص وأدوات من خارجها والتفرد بالقوة الأولى داخل العاصمة وهي بعد أن تحقق الأهداف المشتركة ستنقلب على الجميع وتستفرد بالقوة أو لن ترضى إلا أن يبقى الجميع كأدوات في أيديها وأن يكون هادي هو فارس مناع اليمن». وطرح الرئيس هادي قبل أيام مبادرة لحل ما أسماه بالأزمة اليمنية، ونصت على تشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس الكفاءة، على أن يقوم الرئيس هادي بتسمية الوزارات السيادية (الدفاع، الداخلية- المالية – الخارجية)، وتخفيض سعر المشتقات النفطية500 ريال، في حين رفضتها جماعة الحوثيين المسلحة. وتناقلت وسائل اعلامية عن اشتداد الخلاف وتوتر العلاقات بين الرئيس هادي وباسندوة وصلت الى حد انعقاد جلستين مختلفتين لمجلس الوزراء الاولى برئاسة باسندوة والثانية برئاسة هادي. حيث أفادت مصادر اعلامية بأن جلسة مجلس الوزراء يوم الأربعاء 3 سبتمبر هي أهم جلسات حكومة الوفاق منذ تشكلت بموجب المبادرة الخليجية، جلسة حامية الوطيس عقدت على مرحلتين الأولي برئاسة باسندوه وعدم حضور وزير دفاع عبدربه وانتهت بعد انسحاب باسندوه غاضباً ، وبعد ساعة عقد الجزء الثاني برئاسة هادي ووزير دفاعه وعدم حضور باسندوه، وقد حصلت تطورات في الجلستين تؤثر على مسار العملية السياسية برمتها في اليمن وكان مستغرباً تخوف الجميع من نشر تفاصيلها ولذا سأنشر باختصار بعض ما حدث في الجلستين. الجلسة الاعتيادية لمجلس الوزراء التي تنعقد كل أربعاء لم تعقد هذا الأسبوع في مقر المجلس وإنما بداخل دار الرئاسة لأسباب أمنية وبالذات تحسباً لمحاصرة مليشيا الحوثي لمقر المجلس وهو ما حصل بالفعل حيث قام قرابة ألف شخص من الحوثيين بالتجمهر قرب مداخل مجلس الوزراء لمنع انعقاد الجلسة. بدأت الجلسة التي رأسها كما هو المعتاد رئيس حكومة الوفاق الوطني محمد سالم باسندوه والذي وفور وصوله بدء بقراء أوراق مكتوبة أعدها هو، ومن النقاط التي قرأها الرجل من أوراقه : - أنه اقترح في جلسة مجلس الوزراء يوم الأحد الماضي 31يوليو إعادة سعر البترول إلى سابق عهده أي إلى مبلغ 2500ريال لكن أعترض عليه كلاً من نائب رئيس الوزراء أحمد بن دغر ووزير المالية محمد زمام ووزير النفط رشيد الكاف وقال باسندوه أن نفس المعترض أي بن دغر قبل يوم من جلسة الأربعاء قدم بداخل القصر الجمهوري مقترح بتخفيض السعر 500 ريال فقط وهو ما أقره عبدربه لكي يحسب الانتصار البطولي له وأنه الذي ضغط على الحكومة المجرمة التي كان رئيسها يريد تخفيض السعر 1500 وليس فقط 500ريال!!!!؟؟؟؟. - أكد باسندوه أن ما قامت به اللجنة الرئاسية تم بمخطط هزلي نفذه الرئيس وخطط له مدير مكتبه أحمد بن مبارك وشاركهم فيه بن دغر وزمام وتم احضار باسندوه إلى القصر الجمهوري لتوريطه وكأنه قابل بكافة خطط اللجنة التي شكلها عبدربه أي أنه يقبل بإقالة نفسه. - أكد باسندوه أنه أقترح أيضاً في جلسة الأحد الماضي رفع الحد الأدنى للأجور لكن وزير خزانة عبدربه(وزير المالية) ومثله بن دغر اعترضا وبعد يومين قدم بن دغر توصيه مماثله باسم اللجنة الرئاسية لكي يحسب لها الانتصار!!!. - باسندوه قال إن اللجنة الرئاسية لا يحق لها أن تقيل مجلس وزراء مشكل بموجب المبادرة الخليجية التي أتت بهادي. - باسندوه أشار في أهم جزئيات كلامه إلى أن الرئيس هادي منسق مع الحوثيين لتغييره وحكومته وقال أن ما يقوم به الحوثي مسرحية – قالها هكذا باللفظ- وأن ماتم في القصر الجمهوري مسرحية، وكلامه معناه أن ما يتم من مسرحية يتوافق مع رغبة لدى الرئيس لتغيير الحكومة واستبدالها بموالين لا يعصون له أمراً ويدخل فيها حلفاؤه الجدد أي الحوثيين والحراك الموالي له وبالتالي يقصقص أجنحة المؤتمر والإصلاح اللذان ستنخفض حصتهما في المقاعد واللذان رفضا المقترح نهاية مؤتمر الحوار قبل شهور حين أٌقترح الدكتور أحمد شرف الدين عن الحوثيين وكذا قيادة ومنظري الحزب الاشتراكي ذاك المقترح الذي يراد تنفيذه الأن عبر البلطجة والفتوات المحاصرين لصنعاء. - اختتم باسندوه كلامه بالتأكيد على أن حكومة الوفاق جاءت وولدت نتيجة تسوية سياسية أسمها (المبادرة الخليجية وأليتها التنفيذية) هي المرجعية القانونية للمرحلة الحالية التي تمددت وقال باسندوه ( أنا وهادي جئنا وفقاً للمبادرة فإذا أراد أن أرحل فلنرحل سوياً بانتخابات مبكرة أما أن ينتقي ما يريد من نصوص ألية المبادرة ويترك بقيتها فلا يجوز ولنختر قانونيين لحسم الموضوع في حال كان هناك جدل حول كلامي). بعد انتهاء باسندوه من قراءة أوراقه أعلن انسحابه من جلسة مجلس الوزراء ورفعت الجلسة وغادر ثم غادر الوزراء جميعاً بعده وهنا انتهى الجزء الأول من جلسة مجلس الوزراء. المعلومات المؤكدة أن بن دغر تواصل مع الرئيس الذي كان في منزله مسترخياً مستمتعاً بمتابعة تفاصيل مجاميع مليشيا الحوثي تحاصر الشوارع وأبلغه بكل ما قاله باسندوه فانزعج الرئيس وخرج لابساً «الزنة» وبعد قرابة الساعة دعا جميع الوزراء لاجتماع بداخل دار الرئاسة مجدداً برئاسة هادي وحضور وزير دفاعه الذي لم يحضر الجلسة الأولى. - بدأ هادي كلامه بسب باسندوه (بالخرف) وقال إنه تم تسجيل مكالمة تلفونية في الليلة الماضية بين حميد الأحمر وبين باسندوه هدد فيه حميد بالاعتراض على تغيير الحكومة التي يرأسها المجلس الوطني لقوى الثورة الذي شكل في 2011 ورأسه حينها باسندوه ولذا تم اختياره رئيساً للوزراء وقال الرئيس (يرجع حميد الأحمر أولاً من الخارج ويقول كلامه وهو هنا في اليمن) وبسخرية قال (أين هو هذا المجلس الوطني حالياً) ثم أكد كذلك أن حميد الأحمر تواصل بنجله جلال ليلاً وأخبره أن يخبر أباه الرئيس أنه لا يمكن اختزال المجلس الوطني في أي محاولة يقودها الرئيس لتشكيل حكومة جديدة. - الرئيس قال (خلاص يتوقف باسندوه عن عمله) وأشار إلى النائبين الأكوع وبن دغر وقال (أنت ترأس جلسة وهو يرأس جلسة) وحين اعترض عليه بعض الوزراء وأنه لا يحق له إصدار قرار بتوقيف رئيس وزراء كما وأنه طالما قد قرر أن يغير حكومتهم ورئيسها فليبق باسندوه قال الرئيس: «ومن قال أنني سأغير الحكومة بعد رفض الحوثيين يوم أمس لمقترحاتي» ثم أردف قائلاً: «وحتى في حال قمت بإقالة الحكومة فإنني لن أشكل الحكومة الجديدة في أسبوع قد أحتاج 6 أشهر لتشكيل الحكومة الجديدة». - الرئيس استمر في خطابه لساعة ونصف وتهجم على باسندوه والحكومة حين خفضت بداية تشكيلها سعر البترول من 3500 ريال إلى 2500ريال. - هاجم الرئيس كثيراً باسندوه كما هاجم أيضاً صخر الوجيه وأكد أنه لديه الأدلة على تبديدهما للمال العام وذكر رقماً كبيراً بمليارات الريالات ولم يذكر سبب سكوته على ذلك رغم أنه رئيس الدولة وسكوته على الفساد جريمة يحاسب عليها وفق كل دساتير وقوانين العالم. - الرئيس وجه وزير الإعلام بعدم نشر ماقاله باسندوه وما قرأه في الاجتماع وتنفيذاً لذلك قامت أجهزة الأعلام والتلفزيون الرسمية بعمل مونتاج لا يظهر فيه أن هناك اجتماعين وأن اجتماع الرئيس بالحكومة لم يكن باسندوه فيه حاضراً ويمكن مراجعة نشرة أخبار التلفزيون الرسمي. بعد ما سبق يمكن التأكيد على أن يوم الأربعاء من أهم أيام يمن مرحلة عبدربه منصور هادي المرحلة الأسوأ في تاريخ اليمن، وأهم مافيه أن الأدلة لم تعد قليلة على تواطؤ الرئيس مع الحوثيين وأن ما يتم في صنعاء مسرحية هزلية يخرجها أحمد بن مبارك ويساعده مجموعة من المراهقين السياسيين اللذين وصلوا إلى السلطة وهم لم يبلغوا الحلم بعد في العمل. فهل يدرك باسندوة أنه لم يعد لديه ما يخسره (لا عمر ولا منصب) وأن سكوته على فضح مخططات وأساليب عبدربه التي اتبعها بتهميشه وتهميش الحكومة منذ سنتين ثم تحميلها كل العيوب وحدها ليبقى الرئيس المقدس المنزه من الخطايا، سكوت باسندوه سيضيع له أي رصيد حسن جمعه في حياته من العمل مع الدولة، فلتكشف كل شيء علناً يا باسندوه ولتنفذ ماقلته فهو الصواب (إما أنا وهادي نرحل سوياً أو انتخابات مبكرة ). *تقرير نشرته جريدة «قريش» الصادرة في لبنان