لم يختلف التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2014 عن سابقيه، واحتلت الدول العربية مراتب متأخرة فحازت الكويت المرتبة 91 على المستوى العالمي، متأخرة بأربع عشرة منزلة عن تصنيف 2013، وكذلك فعلت لبنان (106) متراجعة بخمس مراتب، وحصلت قطر على المرتبة 113 وتراجعت بثلاثة مراكز. ولم تتحسن حرية الصحافة في دول الربيع العربي؛ حيت تحصلت تونس على المرتبة 133 عالميًا بالرغم من تقدمها بخمسة مراكز، أما مصر فقد تحصلت على المرتبة 159، أما السعودية فقد جاءت في المرتبة 164 عالميًا ومتراجعة عن تصنيف 2013. وحافظت فنلندا على المرتبة الأولى عالميًا، وهولندا والنرويج ولوكسمبورغ وأندورا للعام الثاني على التوالي، وحصلت فرنسا على المرتبة 39، وتأخرت الولايات المتحدة الأمريكية بأربعة عشر مركزًا لتحصل على المرتبة 46. بينما تذيّل هذا التصنيف «الثلاثي الجهنمي» والمتكون من إريتريا و كوريا الشمالية وتركمانستان، وقبل هذا الثالوث تربعت سوريا والصومال والصين على المراتب الأخيرة في حرية الصحافة التي تنعدم تقريبًا، وهو ما يمثل وصمة عار حقيقية ومأساة يعيشها الصحفيون في هذه البلدان. ويشمل التصنيف العالمي 180 بلدًا هذا العام مقابل 179 في الطبعة السابقة، حيث انضمت بليز إلى القائمة لتحتل مباشرة مرتبة تُحسد عليها (29)، حيث سُجلت حالات عنف نادرة ضد الصحفيين في هذا البلد، إضافة إلى بعض الشوائب المتمثلة في محاكمات بتهمة "التشهير" مصحوبة بغرامات مالية مغرضة، إلى جانب بعض الاستثناءات المتعلقة بالأمن القومي والتي تعيق التطبيق السليم لقانون الوصول إلى المعلومات العامة. * الصراعات و حرية الصحافة أثرت الصراعات سلبيًا على حرية الإعلام والفاعلين في هذا القطاع، وهو ما جعل العديد من البلدان تتراجع في سلم الترتيب «بسبب تأويل سلطاتها بشكل مفرط وفضفاض لمفهوم حماية الأمن القومي على حساب الحق في الإخبار وتلقي المعلومات، نظرًا لما ينطوي عليه هذا الاتجاه من خطر متزايد بشكل عام، وتهديد لحرية الإعلام حتى في قلب دول الحق والقانون». وأبرزت نسخة عام 2014 من «التصنيف العالمي لحرية الصحافة» الترابط السلبي بين حرية الإعلام والصراعات التي يطغى عليها عدم الاستقرار، وهو ما يجعل وسائل الإعلام مستهدفة «على نحو استراتيجي من قبل الجماعات أو الأفراد الذين يحاولون فرض رقابة على كل من يسعى إلى نشر المعلومات، وذلك في انتهاك فاضح للضمانات التي تقدمها المواثيق الدولية، ولا سيما المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين الأول والثاني لعام 1977». * سوريا و العراق والبقية وجاء في التقرير الذي أعدته منظمة «مراسلون بلا حدود» أنّ سوريا التي جاءت في المرتبة 177 من بين 180 دولة، اعتبرت «البلد الأخطر على الصحفيين والأكثر تهديدًا لحرية الإعلام»؛ حيث تأتي مباشرة قبل «الثلاثي الجهنمي». وأثرت تداعيات الأزمة السورية على كامل المنطقة، فساهمت في تعميق الشقاق بين وسائل الإعلام في لبنان الذي تأخر عن مرتبة في تصنيف 2013، وظهر الاستقطاب، أما في الأردن فإن السلطات تشدد الخناق على الصحفيين، فيما تتسارع دوامة العنف في العراق حيث تتأجج التوترات الطائفية بين الشيعة والسنة. بينما في إيران (المرتبة 173) «فإنّ وعود الرئيس الجديد روحاني بتحقيق تقدم على مستوى حرية الإعلام مازالت في مهب الريح حتى الآن، حيث إن تغطية المأساة السورية، سواء من قبل وسائل الإعلام الرسمية أو عبر المدونات، تخضع لرقابة مشددة من السلطة الحاكمة، التي تعاقب كل من يتجرأ على انتقاد سياستها الخارجية». وحصلت مصر على المرتبة 159 عالميًا؛ حيث إنّ تصاعد اضطهاد الإخوان منذ عودة الجيش إلى السلطة بات يشغل بال الصحفيين المصريين ونظرائهم الأتراك والفلسطينيين والسوريين على حد سواء. أما في دول الخليج فجاءت الكويت في المقدمة (المرتبة 91) ثم قطر (106) ، أما الإمارات (118) فقد تأخرت بثلاث مراتب عن التصنيف العالمي للعام 2013؛ بسبب موجة من الاعتقالات والمحاكمات في حق الفاعلين الإعلاميين بتهمة الانتماء إلى الإخوان، وتراجعت السعودية بمرتبة واحدة، وهي التي حصلت على مرتبة متأخرة جدًا (164). ويعكس تراجع الكويت (91) بأربعة عشر مركزًا حالة التشنج التي تشهدها البلاد، بحسب ما جاء في تقرير «التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2014»، حيث ظل مشروع قانون سالب للحرية يراوح مكانه إلى أن تقرر التخلي عنه في ربيع العام الماضي، إذ كان يسمح للسلطات بفرض غرامات مالية تصل إلى 300 ألف دينار (حوالي مليون دولار أمريكي) على الصحفيين بتهمة «انتقاد الأمير أو ولي العهد» أو «نشر أقوال منسوبة لهما»، كما ينصّ القانون الجديد على عقوبة السجن 10 سنوات لتهمة "المساس بالذات الإلهية أو القرآن الكريم أو الرسل أو الأنبياء أو الصحابة أو زوجات النبي أو آل البيت". وفي إفريقيا أثرت الحروب المفتوحة على أكثر من جبهة والاشتباكات التي تزعزع الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية والتي تراجعت بثمانية مراكز (151)، وكذلك تأثير العصابات والجماعات الإرهابية في كل من الصومال (176)، ونيجيريا (112)، كما مالي (122)، والتي انحدرت في الترتيب انحدارًا مؤلمًا و جمهورية إفريقيا الوسطى (109) متراجعة بأربع و ثلاثين مرتبة. * الأمن القومي وحرية الصحافة يتحول مفهوم سيادة القانون والأمن القومي إلى ذريعة لتشديد الخناق على الصحفيين وقتل حرية الإعلام، ففي كثير من الأحيان تُضحي السلطات بحرية الإعلام لتبقي الباب مفتوحًا على مصراعيه أمام كل تأويل فضفاض لمفهوم الأمن القومي، مما يمهد الطريق نحو تراجع مثير للقلق فيما يتعلق بالممارسات الديمقراطية، حيث تواجه الصحافة الاستقصائية صعوبات جمة في بعض الأحيان كما هو الحال في الولايات المتحدة مثلًا (46)، وهي التي تراجعت 13 مرتبة في التصنيف العالمي، مسجلة بذلك أحد أكبر التراجعات وأكثرها إثارة للانتباه في سياق يتميز بملاحقة شرسة لمصادر المعلومات ومتابعة أشرس لكاشفي الفساد. واستشهد التقرير بإدانة الجندي برادلي مانينغ أو مطاردة موظف وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن اللتين تشكلان تحذيرًا شديد اللهجة لكل من ينوي تسريب ونشر معلومات حساسة، حتى وإن كانت تستأثر باهتمام واسع في أوساط الرأي العام. وتأخرت بريطانيا في الترتيب العام (المرتبة 33) بعد أن رفعت شعار مكافحة الإرهاب لممارسة ضغوط سافرة على صحيفة الغارديان، ناهيك عن الاعتقال الذي دام تسع ساعات في حق دفيد ميراندا، زميل الصحفي غلين غرينوالد ومعاونه. أما في اليابان(59) فقد اعتمد البرلمان الياباني قانون «أسرار الدولة» في العام 2013 ليضيف مزيدًا من الضبابية والتعتيم على تعاطي الحكومة اليابانية مع المواضيع التي تهم الشأن العام مثل القضية النووية والعلاقات مع الولايات المتحدة، وغيرها من القضايا التي تدخل في نطاق المحرمات الكبرى. كما باتت السلطات المغربية تخلط بين الصحافة والإرهاب وهو ما جعل المغرب يحصل على المرتبة 136، أما في إسرائيل فإن حرية الصحافة لا تعدو أن تكون غير مفهوم فضفاض يمكن تعليقه في أية لحظة وحين بحجة حماية أمن الدولة. * ليبيا واليمن وداعش تمثل الجماعات الإرهابية التي لا تخضع لسلطة الدولة مصدر التهديد الرئيس لأمن الصحفيين؛ من ذلك أنّ الميليشيات التي تعمل على نشر الفوضى في ليبيا (137) أو الجماعات اليمنية المسلحة ذات الصلة بتنظيم القاعدة هي المرآة التي تعكس خصخصة العنف على هذا النحو. أما الجماعات الجهادية، مثل جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، فهي تهاجم بعنف الفاعلين في الحقل الإعلامي رغبة منها في السيطرة بأي ثمن على المناطق التي تحررها. وتبقى الجريمة المنظمة في هوندوراس (129)، وغواتيمالا (125)، والبرازيل (111)، وباراغواي (105)، وهي تمتد كذلك إلى باكستان والصين وقيرغيزستان والبلقان، وتصعب مراقبة القضايا الحساسة مثل الفساد والاتجار بالمخدرات وتسلل المافيا إلى بلاط الدولة. ويؤكد التقرير أنّ المؤشر السنوي لحرية الصحافة، الذي أُطلق عام 2013، شهد تراجعًا مهولًا في حق الإبلاغ والحصول على الأخبار، على المستوى العالمي، حيث ارتفع المؤشر بنسبة 1.8% وهو ما يعكس تدهورًا طفيفًا على صعيد حرية الإعلام بين نسختي 2013 و2014 من التصنيف العالمي.