مأرب.. قسم شرطة يعتدي على أسرة رسام كاريكاتير    تقرير اسرائيلي: اليمن ساحة صراع لم ينتهِ.. الحوثيون وباب المندب نقطة المواجهة    حزب الإصلاح اليمني يطبّع إعلاميا مع إسرائيل    لنعش قليلا مع قصص الحيوانات بعيدا عن السياسة    كلمة رئيس الإصلاح ..الحنكة ومنطق الحكمة    الوثيقة الفكرية (2012): الحوثية امتداد للزيدية نصا وممارسة    النائب العام يعد بالإفراج عن دفعة ثانية من السجناء في الأيام المقبلة    محافظ صعدة يتفقد مشروع سد اللجم في مديرية سحار    أبو رأس.. فاتح صعدة والجوفين    توزيع ادوات مدرسية لمعلمين ومعلمات المعلا    50 ألفا بلا مأوى في مدينة غزة وسط غارات مكثفة وتحذير من دمار كامل    تنفيذا لقرار الرئيس الزُبيدي.. العاقل يتسلم منصبه كنائب لوزير الإعلام    محافظ حضرموت يلتقي بخبير الطاقة والنفط والغاز المهندس عمر الحيقي    محافظ حضرموت يرعى توقيع عقود مشاريع تحسين لشوارع مدينة المكلا    انتقالي الضالع ينظم محاضرة توعوية بعنوان بالعلم وحب الوطن نبني الجنوب    قرارات تعسفية لمليشيا الحوثي تدفع الغرفة التجارية للإضراب في صنعاء    خبير في الطقس: موجة رطبة ستدخل اليمن مصحوبة برياح وغبار    الخطوط الجوية تعلن استئناف الرحلات بمطار عتق    توقف تطبيق إلكتروني لبنك تجاري واسع الانتشار يثير الجدل على منصات التواصل الاجتماعي    57 دولة عربية وإسلامية تجتمع في الدوحة.. هل تستطيع ردع إسرائيل    نهاية شراكة الأهداف أم شراكة الفشل    خمسة قرارات تُقلقهم: وعشرات الآلاف لم تُحرّك فيهم ساكناً!    سياسي عراقي: محاولات الكيان الصهيوني لاختراق اليمن عبر المرتزقة مصيرها الفشل    نابولي يعود بالنقاط الثلاث من فيورنتينا    يوفنتوس يعمق جراح إنتر برباعية    أتلتيكو يستفيق ب «الغواصات الصفراء»    أحلام تُطرب جدة    منظمة صحفيات بلاقيود: مجزرة إسرائيل بحق الصحفيين جريمة حرب    الكشف عن 85 جريمة مجهولة    صحيفة صهيونية: اليمن يقف "عقبة" أمام "التطبيع"    اليونايتد ضد السيتي.. ديربي مداواة الجراح وتخطي البداية المخيبة    اليوم العالمي للقانون: نحو تعزيز سيادة القانون في عدن والجنوب    بايرن ميونيخ يضرب هامبورج بخماسية    شباب المعافر يصعق شعب إب ويتأهل إلى نصف نهائي بطولة بيسان    الدوري الايطالي ... يوفنتوس يحسم لقاء القمة أمام إنتر ميلان برباعية    ما أجمل روحك وإنسانيتك، قاضي حاشد    عدن .. مصلحة الجمارك تضع اشتراطات جديدة لتخليص البضائع في المنافذ الجمركية    ماسك يدعو إلى حل البرلمان البريطاني    صنعاء.. الغرفة التجارية بالأمانة تصدر البيان رقم (1) التصعيدي ضد الجمارك    في محراب النفس المترعة..    الوزير البكري يطلع على استعدادات فريق تضامن حضرموت لبطولة كأس الخليج للأندية    تعز.. مقتل مواطن إثر خلاف تطوّر من عراك أطفال إلى جريمة قتل    هيئة الآثار تصدر العدد ال 18 من مجلة ريدان    العلامة مفتاح يواصل زياراته التفقدية للوزارات    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    حين احتملنا ما لا يحتمله جبل    بعد غياب 4 سنوات.. أحمد حلمي يعود إلى السينما بفيلم جديد    الانتظار الطويل    اليمن كل اليمن    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    رابطة علماء اليمن تدعو للصلاة بنية الفرج والنصر لأهل غزة    الارياني: عودة 16 قطعة أثرية إلى اليمن تتويج لجهود حكومية ودبلوماسية    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    إصلاحيون على العهد    الصحة تغلق 4 صيدليات وتضبط 14 أخرى في عدن    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    تعز.. حملة ميدانية لإغلاق شركات الأدوية المخالفة للتسعيرة الجديدة    مرض الفشل الكلوي (20)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو ديمقراطية لغوية
نشر في الخبر يوم 05 - 01 - 2015

لا تبدأ الممارسة الديمقراطيّة، إلّا إذا تغيّر الكامن فينا، على مستوى الشعور واللاشعور. فإذا كانت اللغة هي أعظم ما يُفصح عن الإنسان، بل هي بوابة الإنسان إلى العالَم؛ فإنّها -أي اللغة- مغموسة بالذي يحتويه ما هو كامن فينا. يكتب ميشيل فوكو: "الفاشية فينا كلّنا، في رؤوسنا وسلوكنا اليوميّ، الفاشية التي جعلتنا نعشقُ السلطة، وأن نرغب في كل ما هو يهيمن ويستغلّنا". فليس العنف والطائفيّة واللاعدالة مجرّد ممارسة يقوم بها الفاشيون والطغاة، إنما هي فاشية تكمن في الجسد والرأس، ولذلك تحرير اللغة على مستوى النفس هو بداية التحرير الحقيقي للحياة المشتركة واللافاشيّة.
إنّ اللغة ليست أداة تواصليّة براغماتية وكفى، بل ما يصدر من الإنسان من أصوات هو نتاج للنماذج المعرفيّة التي تمثّل الرؤية الكونيّة لديه. ومن ثمّ، فإنّها المعبّر المُخلص عن الكينونة، فكل شيءٍ إذا لم يخضع إلى دلالات جديدة وديمقراطيّة وأكثر قبولًا للآخر دون حرجٍ للذات، كانت لغتنا قاتمة وعدميّة وإقصائيّة تقوم على "نحن" و"هم"، خاصّة في مشهد عربيّ حافل بالفاشيّة السلطويّة لعقود، ولم تُعرف للممارسة الديمقراطيّة فضاءً فيها، إلّا كان مثقوبًا.
وفي ظلّ وعي غير صحيح، يتم تجنيد القواعد الشعبيّة سواء على المستوى العادي أم على المستويات الأيديولوجيّة للأحزاب، ويتمّ رسم التصورات لديهم، بلغةٍ مراوغة تستبدّ بالمخيال بواسطة سلطة الجميل والأقوال البليغة، وذلك من قبل الدولة ومن قبل الأحزاب الديمقراطية شعارًا والفاشية لغةً:
فالدولة تعمل على ترسيمات معيّنة في الذهن تجاه ما يسمّى "الوطن" و"الدولة" و"الهويّة الوطنيّة"... إلخ، بل إنّها تعيد تعريف الوطنيّة كمفهوم جامع للانتماء إلى قوّة إقصائيّة للذين يتبنّون سرديّة غير سرديتها عن نفسها، بل إن الدولة لتضع "حقوق الإنسان" رهينة بتعريفها للوطنيّة، وهنا نشير إلى حنّة أرندت، فقد أشارت أرندت، بشكل جذري وموضّح لطبيعة الدولة الحديثة، إلى أنه لا مكان لحقوق الإنسان خارج الدولة القومية. هناك حقوق للمواطنين، لا حقوق للإنسان. ولكي تتمتع بالحقوق عليك أن تكون مواطنًا. وهنا نرى كيف أنّ المفاهيم التي يفترض أنّها تجمع الذات والغير تعمل الدولة على تشويها، لتحوّلها إلى مفاهيم تحريضيّة ضد الآخر.
كما إنّ هناك نوعًا من الديمقراطيّة الإقصائيّة، وهي التي يقوم بالترويج لها الأحزاب الأيديولوجيّة، سواء من خلال الظنّ بأنّ التاريخ يسير باتجاههم بحتميّة صلبة، ومن ثمّ فإن التاريخ سينتصر لهم، أو من خلال دعاية "التمكين" لإقصاء المخالف والمعارض، فينقلون المفاهيم من مستوى متعالٍ إلى مستوى سياسي يتعلّق باليومي والراهن والظرفي.
ليست الأزمة في فتح مجال ديمقراطي حقيقي، بقدر ما أنّ الأزمة تكمن في دمقرطة أنفسنا ولغتنا قبل ممارستنا. لقد تمّ الحديث طويلًا عن إمكانية ديمقراطية حقيقيّة في فضائنا، بيد أنّ الديمقراطيّة لا يُمكن أن تُفرض على أحد إلّا إذا فرضها هو على نفسه وعلى شعوره ولاشعوره، وذلك بإدراك آخريتنا، وكيف أنّ الهويّة التي نصون جرخها النازف ليست سوى "هو" كامن في بنيتها اللغوية والوجوديّة.
تعملُ سياسات الهويّة دائمًا ضمن معجم معيّن للحديث عن الذات، يُبوّئ الذات منزلة معياريّة لتحديد الآخر، حتى وإن كان هذا الآخر هو الذي لا معنى للذات بدونه، كالأنثى مثلًا، ونحن نعلم لغتنا المطعونة بتهميش الأنثى لاشعوريًّا، وليست هذه دعوة نِسويّة، إنما تحليل لأنماط اللغة وبنيتها الإقصائية التي تترسّخ فينا. فثمّة إقصاء للحديث عن الغير وفتح النقاش معه لغويًّا، وهذا خطير، لأنّ ما لا يمكن الحديث عنه يظلّ مبهمًا وعنيفًا أيضًا، وإذا تحدثنا عنه مارسنا عنف الذات لنسقطه عليه.
لا يمكن بدء المشاركة الثنائيّة، إلّا إذا تم تحرير أصل الهويّة الواحد، فلا بدّ من اعتبار الهويّة منشطرة إلى ذات وآخر، أو كما يختصر علينا بول ريكور: الذات عينها كآخر. ويحلّل الفيلسوف الاقتصادي أمرتيا سِن "عنف الهويّة" من خلال "وهم القَدر"؛ أي إنّ الإنسان يتوهّم أن قدره قد وضعه في هويّة "واحدة"، في حين أن الإنسان له روافد كثيرة متشعبة، سواء على المستوى الشخصي، كذات؛ أو على المستوى الجمعي، كفرد ينتمي إلى أمّة وثقافة، فإنّ الأمّة التي ينتمي إليها أصولها مُبلبلة ومشوّش عليها، وهناك عناصر "أجنبيّة" -وهي تسمية إقصائيّة- قامت بصناعة "ذات" تلك الأمة وهذه الثقافة التي نتخيّل أن أصولها واحدة.
كلّ هذه العوامل الثقافية والتاريخيّة هي ما تنشئ "عنف اللغة" المُمارَس على أنفسنا وعلى الآخرين، فالذات هي أوّل من يقع عليها استبدادها قبل الآخر، وذلك بالظنّ أنها متعالية وتنزل منزلة عليا عن الآخرين، مما يحوّلها لذات عدميّة وملثّمة بالغموض الكثيف. فإنّ حياتنا الملأى بالفاشية هي نتاج تصوراتنا وكلامنا الفاشيين، والديمقراطية كتداول تشاركي لا تكون إلا بديمقراطيّة لغوية تحرّر اللغة من هوويتها ضدّ نفسها والآخرين، ليكون الآخر من بنية "النحن"، ولتغدو "النحن" كذلك عُرضة لمهبّ الغيرية المتواصلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.