لسنوات طويلة مضت، ظل اليمنيون يحلمون بقيام دولة تحقق لهم ولو الحد الأدنى من الرفاه المعيشي والاقتصادي، إلا أن غياب المشروع الوطني لدى النخب التي تتحكم بالبلاد وقف حائلاً دون ذلك، حتى وصل المواطن العادي إلى حالة من اليأس المزمن. واللافت هو أن اليمن أكثر بلد في العالم لديه مناسبات وأعياد وطنية، وهذا أمر يعكس حجم معاناة المواطن اليمني ورغبته في تحسين وضعه نحو الأفضل، لكن هذه الرغبات عادة ما تصدم بوقائع تعيد الأوضاع إلى مربع الصفر. قبل نحو نصف قرن، قامت ثورة ضد الإمامة الملكية، وكانت هناك رغبة ملحة للثوار في قيام دولة جمهورية ديمقراطية عادلة، إلا أن علي عبدالله صالح أراد استبدال الديمقراطية بجمهورية وراثية، ذهب علي صالح وجاء الحوثي، الذي جند الآلاف من أبناء القبائل الهمجية والمتخلفة، من أجل أن يعيد نظام الإمامة بشكل أبشع. القوى السياسية الأخرى، وعلى رأسها أحزاب اللقاء المشترك، وجدت نفسها تائهة في زحمة الأحداث، واكتشفنا أنها بلا مشروع وطني. لن يتطور بلد تخصص فيه الدولة ملايين الدولارات لمشائخ القبائل ومرافقيهم وتهمل المثقفين والبحث العلمي، بل وتعمل على تحويل المثقف والإعلامي إلى مطبل للرئيس أو الزعيم أو الشيخ، وإذا أراد أن يعبر عن هموم الشعب وفساد النخبة الحاكمة فإن مصيره السجن والتعذيب، كما أنها تسخر من البحث العلمي ومراكز الدراسات، وتفضل شيخ القبيلة الهمجي والمتخلف على الباحث الأكاديمي حتى وإن تخرج من أرقى جامعات العالم. سيظل اليمنيون تائهين يبحثون عن دولة تعيد لهم كرامتهم المفقودة، وسيظل وضع البلاد في حالة يرثى لها، ولن يتحسن الوضع إلا بثورة شعبية عارمة، تقضي على الفاسدين ومراكز النفوذ، وتؤسس محاكم ثورية عادلة لمحاكمة من مارسوا الفساد ونهبوا البلاد ومزقوها وعاثوا فيها خراباً وفساداً.