إن الحديث عن ضرورة خروج الميلشيات المسلحة من العاصمة و مراكز المحافظات الشمالية يعني الدعوة لنزع فتيل العمليات الإرهابية وما يمكن أن تكشف عنه الأيام والأسابيع القادمة من مواجهات دامية و اقتتال عبثي، وحروب مدمرة، لن يتوقف تأثيراتها على اليمن وحسب بل سيتعداه إلى زعزعة الأمن الإقليمي والدولي، فقيام هذه الميلشيات بتنصيب نفسها بديلاً عن الأجهزة الأمنية للدولة أو رديفاً لها لا يستند إلى أي شرعية أو مسوغ قانوني أو مبرر موضوعي، فبعد أن كادت البلد أن تتجاوز مرحلة الخطر، وبعد أن جنحت معظم القوى السياسية والاجتماعية إلى السِلم و قبلت بمخرجات الحوار الوطني، الذي تضمن تسليم أسلحة جميع المليشيات إلى الدولة، و بدلاً من أن يتم سحب السلاح من أيدي الميلشيات والجماعات المسلحة للوصول إلى دولة تحتكر حيازة السلاح، انتفضت جماعة الحوثي وبدأت هي بسحب أسلحة الجيش والأمن و نصّبت نفسها للقيام بدور الشرطي بدعم من أطراف سياسية داخلية وخارجية. وعلى إثر القوة التي اكتسبتها جماعة الحوثي جراء اجتياحها للعاصمة وللعديد من المدن والمحافظات صار المواطن عبدالملك الحوثي هو الحاكم الفعلي لليمن، فإليه تُسيَّر الوفود الرئاسية والدولية للتفاوض وهو من يقرر ما يجب وما لا يجب، ويوقع على الاتفاقيات التي يتناقض معها قبل أن يجف مدادها، وهو من ينتظر اليمنيون والعالم خطاباته ويمعنون في قراءتها وفي تفسير ما وراء سطورها، وسرعان ما يكتشفون تناقضه من خلال إصراره في الواقع على السيطرة المُسلحة و ممارسة الاستبداد العلني، واسهامه في إضعاف الدولة الضعيفة ونخرها من الداخل وتجويفها وإفراغها من المضمون.. موفراً كل العوامل المطلوبة إلى انزلاق البلد نحو العنف والأعمال الإرهابية التي صارت تزهق كل يوم أرواح العشرات من المواطنين اليمنيين الأبرياء الذين ليس لهم أي علاقة بالصراع الدائر، ففي حالة غير سوية كاللجان الشعبية المسلحة التي فرضها الحوثي تحت حكم الأمر الواقع لتنازع الأجهزة الأمنية والمؤسسات الحكومية سلطتها من الطبيعي والمتوقع أن تحتدم حدة الصراع بين هذه المليشيات ومن يقف وراءها وبين القاعدة وأخواتها، فيجد اليمنيون أنفسهم وبلدهم ضحية لهذا الصراع العبثي.