أمن أجل تقاسم السلطة قام الحوثيون بغزو عاصمة بلادهم واسقاط الدولة؟ هذا السؤال لا معنى له الآن، فقد فضحت معطيات الواقع أن لا سلطة في اليمن لكي يتم تقاسمها وأن الحديث عن التحول الذي شهدته اليمن بعد خلع الرئيس السابق وتنصيب نائبه رئيسا هو محض هراء. لقد فضح الحوثيون الكذبة، حين كشفوا أن الدولة التي حاربتهم لسنوات طويلة لم تعد قائمة. هل كانوا في حاجة إلى الاعلان عن أن تلك الدولة، كان علي عبدالله صالح قد أخذها إلى بيته مثلما حمل معه اشياءه الشخصية حين غادر قصر الرئاسة؟ لم تفاجئ أخبار الغزوة الحوثية أحدا. ومن المؤكد أن استقالة الرئيس هادي والحكومة اليمنية جاءت متأخرة. فلا الرئيس ولا الحكومة لديهما ما يعطيانه مقابل انسحاب حوثي مشرف، بعد أن لبس العار الجميع. ربما انتظر الحوثيون بعد أن أحرجتهم أنباء انتصاراتهم التي تمت بالتواطؤ مع جهات داخلية عديدة أن تمتد لهم يد لتخرجهم من لعنة ما ارتكبوه في حق بلدهم وشعبهم. غير أن شروط خروج الحوثي من المأزق الذي انتهت إليه غزوته لم تكن مقبولة من قبل الشعب الذي لم يرتض الدخول في صراع أضفى عليه الحوثيون الطابع الطائفي المستلهم من الدعاية الايرانية التي أوهمتهم بإمكانية أن تكون اليمن امتدادا لنظام ولاية الفقية. لقد أنستهم الفوضى التي حاولوا تحقيق اختراقهم من خلالها أن هناك شعبا وقف في الساحات لثلاث سنوات، استطاع بعدها أن يجبر سلميا صالح على التخلي عن السلطة لتنتهي مع ذلك التخلي حكاية التوريث. لم يكن الامر يتعلق بصراع على السلطة أو على النفوذ، وهو ما يعرفه الحوثي جيدا، لذلك رفع سقف مطالبه حين قلب الطاولة الوطنية ليضع بدلا منها طاولة طائفية توهم أنها ستكسب قضيته نوعا من الانصاف التاريخي. وهنا بالضبط ارتكب الحوثي الخطأ الذي سيدافع عنه من خلال الاستمرار في الغزو الذي أوصله إلى القصر الرئاسي في الوقت الذي انتهى به إلى الاخفاق في مناطق أخرى كمحافظة مأرب حين تصدت له القبائل التي لا تدين بالولاء لعلي عبدالله صالح الذي تبين أن سلطته الفعلية في العاصمة لا تزال قائمة. هناك خطأ في التسوية الغامضة التي أدت إلى أن يسلم الرئيس سلطته إلى نائبه. كان اختيار عبد ربه منصور هادي رئيسا خطأً سياسيا، صار على اليمنيين أن يدفعوا ثمنه. كان شعار الثورة السلمية "الشعب يريد اسقاط النظام" ولم يكن "الشعب يريد اسقاط الرئيس". ما حدث واقعيا أن الرئيس غادر موقعه من غير أن يتمكن أحد من فك ارتباط اجهزة الدولة به وبالأخص الجيش. وهو ما أدركه الحوثي جيدا فقرر أن يمد يده إلى عدو الأمس الذي لا يزال يحلم في استعادة السلطة، مثله في ذلك مثل أي مستبد سابق، ينسيه طمعه في السلطة حقيقة أن الزمن من بعده قد تغير وان العودة إلى الماضي لا يمكن أن تنتج إلا صورا يغلب عليها طابع السخرية. وهو ما كشفت عنه الغزوة الحوثية التي انتقلت كما قلت بالصراع من فضائه الوطني الواسع إلى فضاء طائفي ضيق. وها هي اليمن اليوم ليست سوى بلد مختطف من قبل عصابة تسعى إلى الخروج من مأزقها بأرباح، هي غير متأكدة من أنها ستحصل عليها. الحديث عن اتفاق شراكة كان الحوثيون قد وقعوا عليه لم يعد له محلا من الاعراب. فوقائع الغزو الحوثي كانت قد تجاوزته، بعد أن صار السلاح هو المرجعية الوحيدة لشعب يتباهى بإمتلاكه السلاح من غير أن يستعمله. لأول مرة في تاريخهم ينتظر الحوثيون نجدة من المبعوث الاممي، فهل سيكون ذلك المبعوث قادرا على حل أزمتهم التي صارت عنوانا لأزمة اليمن؟