من خلال توزيع الدفعات النقدية بسخاء وإقالة رجال دين ليبراليين نسبيًا، أشار العاهل السعودي الجديد، الملك سلمان، إلى أن نهجه في مواجهة التحديات الكبيرة في المستقبل قد يختلف عن نهج شقيقه الراحل، عبد الله. وظاهريًا، تشير هذه التحركات إلى تحيز للتيار الديني المحافظ، وإلى محاولة شراء الدعم السياسي، وهي أمور تتعارض على حد سواء مع إصلاحات التحديث التي تقول المملكة إنها تريد تحقيقها. وفي حين من المرجح أن تكون الحقيقة أكثر تعقيدًا من ذلك، تشير التحركات إلى الكيفية التي سيعالج سلمان من خلالها التحدي الديموغرافي في المملكة العربية السعودية، وهو ما يهدد بتقويض شرعية العائلة الحاكمة في لحظة من الفوضى الإقليمية الغير مسبوقة. وقال خليل الخليل، وهو أكاديمي وكاتب في جامعة الإمام سعود، المعهد الديني الأكثر نفوذًا في البلاد: "نما التقليديون والحداثيون بعيدًا عن بعضهم خلال فترة الملك عبد الله. ولكن كان لسلمان علاقات ممتازة مع الجانبين، وكل منهم يعتقد أن الملك الجديد يدعمه اليوم". وبدوره، قال أحد الدبلوماسيين في الخليج: "أتوقع أننا سنرى المحافظين وهم يبدؤون باختبار الحدود، ونرى ما سوف يمكنهم الحصول عليه من تحت قبة النظام الجديد". ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان سلمان سوف يبطئ حقًا، أو حتى يعكس، إصلاحات عبد الله التي تحظى بشعبية بين العديد من الشباب السعودي. العقد الاجتماعي الغير معلن في المملكة العربية السعودية، وهو أن شعبها يدين بالطاعة للملك في مقابل توفير الخدمات العامة ومستويات معيشة مريحة وحكومة تحكم وفقًا للتعاليم الإسلامية، في خطر. النمو السكاني السريع يعني أنه يجب تقييد الإنفاق على المواطنين، في حين أن زيادة فرص الوصول إلى العالم الخارجي تعني أن كلًا من الليبراليين والمحافظين على حد سواء يشكلون تحديًا لفكرة الحكم الوراثي الآن. وبالنسبة لسلمان، هذه المخاطر هي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى؛ بسبب صعود "الدولة الإسلامية"، التي تتباهى بأنها سوف تلهم نشوب انتفاضة في المملكة العربية السعودية تؤدي إلى إسقاط آل سعود. ومن السابق لأوانه الجزم بما هي رؤية سلمان، ولكن أعطت سلسلة من القرارات التي أصدرها الملك الجديد الأسبوع الماضي بعض المؤشرات على نهجه، بما في ذلك إقالة وزير العدل محمد العيسى، ورئيس الشرطة الدينية عبد اللطيف آل الشيخ، وهما الخصمان اللدودان للمحافظين السعوديين، وأيضًا منح نحو 20 مليار دولار كمكافآت للمواطنين. اختبار الحدود في أوقات الشدة، كان آل سعود دائمًا أكثر قلقًا بشأن خطر انتفاضة المسلمين المحافظين، منهم حول الانتقادات الغربية أو الغضب بين السعوديين الليبراليين. نهج الملك السابق، عبد الله، بشأن هذا التحدي كان من خلال مواجهة النخبة الدينية التي تعتمد عليها عائلة آل سعود في بعض شرعيتها، ودفع هذه النخبة نحو قبول إدخال إصلاحات على القضاء والتعليم وحقوق المرأة. وكان وزير العدل السابق قد انتقد من قبل المحافظين لتقديمه التماسات إلى الملك لتعزيز "الإصلاح الذي يحمل طابع التغريب"، في حين احتفل أفراد من شرطة الأخلاق بتنحية آل الشيخ علنًا يوم الجمعة. وقد يرى المحافظون خطوة الملك سلمان بتنحية هذين الشخصين بمثابة تراجع عن ميل الملك الراحل لليبراليين. كما أنهم مسرورون لقرار الملك الجديد بإعادة تعيين سعد الشثري، وهو محافظ جدًا أقاله عبد الله في عام 2009 لمعارضته جامعة للتعليم المختلط، كمستشار للمحكمة. ومع ذلك، فإن التغييرات في دعم المحافظين قد لا تكون عميقة كما تشير العناوين الأولية. وقال ماجد قاروب، وهو محام مقرب إلى وزير العدل السابق، إن وزير العدل الجديد، وليد الصمعاني، "من نفس مدرسة عيسى، وكلاهما جاء من ديوان المظالم، وعملا على نفس اللجان". وأضاف: "الشيخ عيسى نفسه أشرف على حصول الصمعاني على شهادة الدكتوراه". الإصلاح الاقتصادي وأي خطوة لاسترضاء المحافظين من خلال التراجع في مجال حقوق المرأة سوف تؤدي إلى تأخير التنمية الاقتصادية أيضًا، وذلك بسبب الحاجة لإحداث زيادة كبيرة في عمل السعوديين من الجنسين في القطاع الخاص، بدلًا من الاعتماد على رواتب الحكومة. ولم يحدد الملك سلمان بعد خططه لتقليل اعتماد الرياض على عائدات النفط على المدى الطويل، أو لإعطاء السعوديين بعضًا من ال 8 ملايين وظيفة التي يشغلها الأجانب في البلاد. وجاءت مكافآته بمنح راتب شهرين للمواطنين الأسبوع الماضي كصفحة جديدة في كتاب اللعب غير المسؤول ماليًا الذي اتبعت المملكة قواعده لعقود مضت. ولكن في الوقت نفسه، يوحي قرار الملك بإبقاء عادل الفقيه وزيرًا للعمل أنه سيواصل الحملة الكبيرة لتشغيل مزيد من السعوديين. وكذلك، قد يعني دمج وزارتي التعليم إحياء جهود الإصلاح في هذا الاتجاه. ويقول الناس الذين يعرفون الملك الجديد، إن موجة أخرى محتملة من الإصلاحات قد تكون موجهة ليس لحل تلك القضايا على المدى الطويل، ولكن لجعل الدولة قادرة على تقديم خدمات أفضل والحد من الفساد. وقد أظهر ولي ولي العهد، الأمير محمد بن نايف، بالفعل كيف قد يكون من الممكن تحسين الخدمات في وزارة الداخلية، حيث دفع ببرامج الحكومة الإلكترونية التي جعلت العديد من الإجراءات أفضل. وقد يكون الملك سلمان يأمل بأن الجهود المماثلة لجهود وزارة الداخلية هذه ستجعل الحياة أكثر راحة لرعاياه، وبالتالي ستؤدي إلى تأمين قيادة المملكة العربية السعودية ضد منافسيها، دون التسبب في مزيد من التوتر بين الليبراليين والمحافظين.