بتوقيع اتفاق السلم والشراكة الوطنية، تحقق لأنصار الله إنجاز تاريخي كبير مكنهم من الحضور بقوة سياسية ومعنوية في المشهد السياسي، لكن الجماعة أساءت توظيف الانجاز واستهلكت رصيدها منه سياسياً وأخلاقياً بممارسات وضعتها في مواجهة الشعب وفي منازعة السلطة وجودها المؤسسي ودورها الوظيفي من خلال ما سموه اللجان الشعبية واللجان الثورية. توهم أنصار الله أن الفرصة السانحة لهم للاستيلاء على السلطة والتمكن منها بقوتهم المسلحة, فانصرفوا عن العمل باتفاق السلم والشراكة، إلى ممارسة السلطة والتمدد العسكري في محافظات شمالية عدة, والانجرار المنفرد إلى حروب متعددة مع تنظيم القاعدة، حتى وصل بهم هذا الوهم إلى نزق العصابات الخارجة عن القانون بحادثة اختطاف مدير مكتب رئاسة الجمهورية د. أحمد بن مبارك. لم تتوقف أوهام أنصار الله عند حدود العجز الظاهر للقوة المسلحة في السيطرة والانتشار، فزادوا من سرعة حركتهم نحو المأزق الكلي والفشل الكامل, ليصل بهم التهور والتحرك غير المدروس إلى مواجهة غير محسوبة العواقب مع قوات الحماية الرئاسية انتهت بسيطرتهم العسكرية على دار الرئاسة ومنزل رئيس الجمهورية الأخ المشير عبدربه منصور هادي, فازداد غرورهم بالقوة المنتصرة, ولم يدركوا مخاطر الفراغ الشامل في السلطة والشرعية الناجم عن سيطرتهم على رمز السيادة في الرئاسة, رئيساً ومؤسسات. لم تفلح استقالة كل من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية في إقناع أنصار الله بخطر الفراغ الذي صنعوه بغرور القوة وطيش الصبيان, فواصلوا مسيرة إهدار المكاسب التي تحققت لهم حتى 21 سبتمبر 2014م، ليجهزوا عليها كاملة بسخافة ما زعموا أنه "إعلان دستوري" لم يتجاوز كونه حبراً مسفوحاً على ورق لا محل لها في الواقع السياسي خارج أوهام وظنون الجماعة العاجزة عملياً عن السيطرة الجغرافيا والامساك بسلطة الحكم. غير أن تشكيل ما سمي اللجنة الثورية العليا، كشف عن رداءة في التفكير السياسي وضحالة في تقدير المسئولية واختيار رجالها الأكفاء، وبدى من خطابات قائد الجماعة الأخ عبدالملك الحوثي وجود قطيعة بين القيادات الميدانية في العاصمة، والقيادة العليا، لأن وصف الحوثي لاستقالة الرئيس هادي بالمناورة والمؤامرة، كشف عن جهله بوقائع تجريد الرئيس هادي من صلاحياته وسلطته حتى على حراسة منزله، بفعل العدوان المسلح لكتائب أنصار الله على سلطة الرئاسة وعلى مؤسساتها، ونكوصهم عن تنفيذ الاتفاق الذي نص على مغادرة مسلحي الجماعة دار الرئاسة ومنزل الرئيس ومحيطه، وهكذا عادت الجماعة بسرعة إلى طبيعتها كجماعة تمرد مسلح على النظام والقانون.