مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    عاجل : التلفزيون الإيراني يعلن رسميا مقتل رئيس البلاد ووزير الخارجية في تحطم مروحية    صيد حوثي بيد القوات الشرعية في تعز    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    تغاريد حرة.. هذا ما احاول ان أكون عليه.. الشكر لكم    أول فيديو من موقع سقوط طائرة الرئيس الإيراني ووصول فريق الإنقاذ "شاهد"    هادي هيج: الرئاسة أبلغت المبعوث الأممي أن زيارة قحطان قبل أي تفاوض    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    شيخ الأزهر يعلق على فقدان الرئيس الإيراني    تناقض حوثي مفضوح حول مصير قحطان    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    الوزير الزعوري يتفقد سير العمل بمشروع إعادة تأهيل شوارع ومداخل مستشفى المعاقين ومركز العلاج الطبيعي عدن    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمعة الكرامة: مجرمون قزمتهم بطولات الثوار
نشر في الخبر يوم 20 - 03 - 2015

حتى الثامن عشر من مارس2011م كانت نظرتي لقيادة النظام في اليمن مختلفة إلى حد كبير، برغم أنني قبل ذلك التاريخ قد فوجئت بمواقف لم أكن أتوقعها من النظام، كالذي حدث في ما سماها الثوار ب (غزوة القادسية) عند ما حاول الأمن اقتحام الساحة من منطقة جولة القادسية، فسموها الثوار بذلك الاسم، وذلك بتاريخ12مارس2011م وكانت نتيجة المحاولة، استشهاد أحد شباب الثورة، وإصابة أكثر من1000متظاهر، أغلبها حالات اختناق من نوعية الغاز المستخدم.
في ذلك اليوم، بدأ رباط الثوار من الثامنة مساء عند وصول قوات الأمن إلى الساحة في مجموعتين، الأولى: في الجهة الغربية من شارع الرباط، والثانية: من الجهة الشرقية (جولة القادسية) حيث وقف الثوار ليشكلوا سياج بعدد من الصفوف أمام قوات الأمن ليمنعوهم من التقدم نحو الساحة، في ذلك اليوم شاهدت سلوكيات مفجعة، وسمعت كلمات لم أكن أتوقع سماعها من جنود يمنيين، حين كان الشباب في الجهة الشرقية، يرددون في الثلث الأخير من الليل (يا ألله يا ألله) كان أحد الضباط، يرددها بمكبر الصوت بسخرية واستهزاء، ثم قال بنوع من التهديد (خلوا الله ينفعكم) كلمات لم يقلها حتى غير المسلمين !!!
في الجهة الغربية التي كنت أنا فيها، لم يكن الجنود بتلك الوقاحة، وذلك الاستهزاء، وذلك الجحود .
عندما حان موعد صلات الفجر انقسم الشباب إلى فريقين في نفس المكان، بعضهم يصلي والبعض الآخر واقف أمام العساكر، وقبل أن تنهي المجموعة الثانية صلاتها، صدرت الأوامر باقتحام الساحة.
في المنصة، كان الثوار يُصلون صلات الخائف، كانت أول مرة أصلي فيها هذه الصلات، فور الإنتهاء من الصلات أعلنت المنصة بأن الجنود يقتحمون الساحة، في نفس اللحظة بدأت روائح الغازات تصل جوار المنصة، وكانت أيضاً هي المرة الأولى التي استنشقها، وبسببها لم نتمكن من الوصول إلى مكان المواجهة، ومن الشوارع الجانبية وصلنا إلى أرض المعركة، كانت الجرافات وسيارات رش الماء، قد تقدمت وجرفت الخيام لمسافة200متر تقريباً، كانت تلك المسافة هي الحد الأقصى الذي وصلت إليه تلك القوات، وعادت المواجهة على حدود الساحة، قوات الأمن تطلق النار على المتظاهرين ولكن لم تكن إصابات مباشرة، حيث كانت تركز ضرباتها بواسطة الغاز ومرشات الماء، والضرب بالهراوات، وكان الثوار يرشقونهم بالحجارة، ويردون الغاز نحوهم واشتباكات بالأيدي أحياناً.
كانت مواجهات شرسة، استمرت حتى العاشرة صباحاً بين كر وفر، كان العائق الكبير أما منا هي تلك المدرعات متعددة المهام (جرافات ورشاشات الماء) كانت تتقدم بثقة، لم نجد ما نكسر بها غرورها، حتى إطاراتها تغلبت على الألواح الخشبية ذات المسامير التي صنعتها مع بعض الشباب، وفي عملية غير متوقعة انطلق أحد الشباب نحو الجرافة وفتح باب السائق لم يكن الباب مؤمناً، الجميع لم يكن يتوقع أن يكون الباب مفتوحاً، وحين اندفعوا نحو الباب لمحاولة إنزال السائق، كان قد أغلق جميع الأبواب، يومها لم يكسر غرورها سوى ذلك الشاب الذي وقف أمامها بثباتٍ كالصخر، وهي مسرعة نحوه بقوة، وحين وصلت إليه، لم تتمكن من هز كبرياءه، في لقطة نادرة تداولتها وسائل الإعلام المختلفة.
من الجهة الغربية تم دحر قوات الأمن حتى تقاطع شارع هايل، في ذلك الوقت انسحبت، بعد أن أصبت برشقات أحجار صديقة في الرأس والظهر، من الشباب الذين كانوا يرشقونها من الخلف، إضافة إلى إصابتي بحالة اختناق شديدة من جراء الغاز، لم ينقذني منه سوى المناديل المعطرة بالخل، إضافة إلى حالة الإعياء من السهر، لذلك لم أتمكن من المواصلة وانسحبت.
في تلك المعركة ما أدهشني هو ما قام به أولائك الجنود اليمنيون ضد إخوانهم، حماية ورعاية لعدد من اللصوص يأكلون حقوقهم ويمتهنونهم، قبل حقوق أبناء الشعب اليمني، لقد مثلت هذه المواجهة الصدمة الأولى بقيم وتربية قوات الأمن اليمنية، خاصة ما تعلق بموضوع العقيدة، ومع ذلك كان لا يزال في نفسي شيء من احتمال أن تكون تلك التصرفات شخصية، وأن صالح لن يوافق عليها، لني كنت أعتبرها كارثة الكبرى في حق جنود الأمن، لم أكن أعرف بأن الأيام القادمة لديها حقائق هي أكثر وضوحاً.
في يوم جمعة الكرامة الموافق18مارس2011م كنت أشاهد تلك الحشود الغير مسبوقة التي حضرت صلات الجمعة، ورأيت طائرة الهيلوكبتر تدور على الساحة، قلت لنفسي بأن هذا هو السلوك المؤمل من صالح، الذي لن يثق بما سيُقال له عن الحشود التي خرجت ضده، لذلك خرج في الطائرة شخصياً ليراها بأم عينيه.
في ذلك اليوم لازمني شعور من نوع آخر، بأن ذلك اليوم سيكون لحظة فارقة في تاريخ الثورة، كان جهلي بنفسية صالح كبير جداً، جعلني أعتقد بأنه سيُعلن التنحي بعد مشاهدة تلك الحشود الغفيرة، كنت أقول لنفسي أعتقد بأنه سيفعلها، كنت أعتقد بأنه سيقوم بعمل يشرف نفسه، ويشرف الشعب اليمني، عمل يُكفر به عن ماضية، وسنكون له من الشاكرين.
فور الإنتهاء من الصلات، شاهدت أعمدة الدخان ترتفع من الجهة الجنوبية للساحة، وسمعت إطلاق نار خفيف ومتقطع، لم يكن واضحاً لهتافات الحشود، كنت في أقصى الجهة الشمالية، ومن على منصة الساحة، قيل للحضور بأنه لا يوجد شيء، وأن ذلك الدخان ليس سوى إطارات تشتعل على حدود الساحة.
هذا الإعلان طمّن الجميع، أعداد غفيرة غادرت الساحة عائدة إلى منازلها للغداء، لتعود إلى الساحة عصراً، مؤملين باتخاذ صالح قراراً تاريخياً، أنا كنت واحداً من المغادرين ولعلي كنت أكثر المتفائلين، فور وصولي إلى المنزل، شاهدت القنوات تنقل المشاهد بشكل مباشر من الساحة، أعداد الشهداء مستمر في التسارع إلى الأعلى بوتيرة قوية، شاهدت مناظر مروعة، أعداد الشهداء بلغت عشرين شهيدأً في ذلك الوقت، الجرحى أعدادهم غير معروفة.
في تلك اللحظة صعقت، شعرت بالغثيان، شيء من الدوخة، لم أستطع أن استوعب ما أشاهده، لبست لامة المواجهة التي كانت معدة للمسيرات والمرابطة في الساحة (بنطلون، بوتي، كوفية عمال البناء، كمامة يدوية للغاز، مناديل معطرة بالخل) ثم انطلقت سريعاً إلى الساحة.
في مثل هذه الأحداث تكون البداية التأكد من سلامة المقربين ومن نعرفهم، مع أن كل شهيد يسقط، كان يوقد مشاعل من الحزن والأسى والحسرة، في أعماق الجميع، كانت الساحة تغلي، بحركة غير مستقرة، وكانت المواجه مع قوات الأمن لا تزال مستمرة في شارع الدائري، كنت واحداً من الذين وصلوا متأخرين، كنا نشعر بأنه قد فاتنا شيء مهم، شيء لا يمكن استعاضته، فسارعنا لنشارك في عملية تمشيط للمنازل المشبوهة بجوار الساحة، بعد التمدد الكبير لمساحتها، ومطاردة ما تبقى من قوات الأمن إلى أقصى ما يمكن، حتى وصلت الخيام إلى جوار جامعة صنعاء القديمة، بعد أن كانت بجوار المركز الإيراني في الجامعة الجديدة.
بعد أن هدأت الأمور، قمت بجولة مع بعض الشباب المتواجدين في الساحة بشكل دائم، للتعرف على أبرز ما حدث في ذلك اليوم، كنت أعرف أن الشباب قد رصدوا من قبل أيام بعض المنازل المحيطة بالساحة، وعرفوا أن فيها جماعات مسلحة، قلت هل أطلقت النيران من تلك المنازل التي تشكون بها؟! فكانت الإجابة نعم.
ما سمعته من الذين شاهدوا الأحداث، جعلني وكأني أستمع وأشاهد آثار معركة كأنها خيالية، كنت قد قرأت عن بطولات الصحابة وبسالتهم، وبطولات المجاهدين في أفغانستان، وغيرها من المعارك، شاهدت أفلام الأكشن المختلفة، الهندية والأمريكية، لكني لم أكن أتصور أن في عصرنا بطولات من نوع آخر، هذه البطولات هي بطولات يمنية، شبابية، الغالبية منها، حفاظ القرآن الكريم، تربوا في دور القرآن والمساجد المنتشرة في ربوع اليمن.
اليوم حين أتذكر تلك الأحداث، أعتقد بأن حقد حلفاء الثورة المضادة (الحوثي وصالح) على دور القرآن الكريم والمساجد، يعود إلى ما شاهدوه من روادها في جمعة الكرامة، لذلك كان من أبرز مهامهم منذ عمران وحتى صنعاء، هي تفجير أبرز المساجد ودور القرآن الكريم، وتحويل بعضها إلى مجالس للرقص وتعاطي القات.
لم تكن عبارة الصدور العارية، التي رددها الثوار في مسيراتهم شعاراً صورياً، وكلاماً عابراً، أقسم بأنهم كانوا كذلك بحق، كانت أبرز أسلحتهم بعد الإيمان بالله تعالى وثقتهم بعدالة ثورتهم، ورجولتهم، وشهامتهم، هي (الحجارة، وأقواس الزراقيف، وعصي من الخشب).
الطرف الآخر: كان لديه الأسلحة المختلفة (أوالي، معدلات، قناصة، مسدسات، ذخائر بكميات كبيرة) محصنين أنفسهم بشكل كبير.
لكنهم واجهوا شباباً من نوع لم يكونوا يتوقعوا أن يجدوا شبيهاً لهم.
تلك البطولات لم تكن مشاهد تمثيلية، ولا خدع سينمائية، كانت مشاهد حقيقية شاهدها آلاف الثوار الذين كانوا من أوائل من فاجأتهم تلك البطولات، وشاهدت أنا آثار تلك البطولات ودمائها طرية لم تجف.
المشهد الأول، معركة الجدار
فور الانتهاء من صلات الجمعة، بدأ إطلاق النار على المصلين، وبدأ الشهداء يتساقطون واحداً تلو الآخر، كانت الإصابات مركزة، اعتقد الشباب أن يتوقف الأمر فور سقوط شهيدين، ثلاثة، خمسة، عشرة، لكن ذلك لم يحدث، الأمر الذي ولد اندفاع ذاتي من الجميع نحو الجدار، وبدأ الصعود عليه للبحث عن مصادر إطلاق النيران، وبرغم أنه لمجرد الصعود على الجدار، فإن احتمال قنصه 1000% وهو ما أكده الفعل أمام أعينهم، لكن شيء في الروح والوجدان والجسد، كان يدفع بالآخرين إلى المضي قدماً، للتعامل معها برجولة غير معهودة، وذلك ما أكده فعل الثوار، في مشهد أنا شخصياً وقفت أمامه غير قادر على تخيل كيف حدث ذلك، لعلي لو لم أشاهد آثاره ونتائجه على أرض الواقع التي لم يمر عليها سوى دقائق، قد لا أصدق تلك الأحداث!
يقول الحضور: لم تكن سوى لحظات بسيطة إلا وعلى السور سيلٌ جارفٌ من البشر، الذين لم يُسجل التاريخ لهم مثيلاً، بذلك السن وبتلك الأعداد، كلهم يصعدون الجدار متقدمين نحو المنازل التي تطلق النار، البعض الآخر اتجه نحو مطلقي النيران المتواجدين بجوار قوات الأمن في شارع الدائري، الأمر الذي جعل العساكر يفرون هم الآخرين قبل القتلة، برغم أن مهمتهم كانت حماية القتلة وتأمين غطاء لانسحابهم، لكنهم فروا متراجعين قبل فرار بعض القتلة، ومع ذلك فقد تمكن الشباب من أسر العديد من المسلحين بلباس مدني، الذين كانوا يهربون بأسلحتهم مع قوات الأمن، في مشهد مخزي لقوات الأمن والقتلة، وبطولي للثوار الأبطال.
بالنسبة للجدار الذي بني من البلك الصم، مدعماً بالحديد والاسمنت، رغم صلابته وانعدام الأدوات لدى الشباب، إلا أنه وفي خلال دقائق قليلة، تلاشا سريعاً كأن لم يكن.
المشهد الثاني، معركة ثكنات القتلة.
بعد أن بدأ إطلاق النيران، وسقوط العديد من الشهداء، أدرك الثوار بأن الأمر لم يتوقف، فكان التوجه المباشر بعد تعدي الجدار هو اقتحام تلك المنازل خلف الجدار، كونها التي تطلق النار بكثافة، ثم تلاها كافة المنازل المشبوهة في كل أرجاء الساحة.
لم يكن قرار اقتحام تلك المنازل التي تعد ثكنات عسكرية منيعة، إلا نوع من الجنون، صنعته فاجعة السقوط المتسارع بكثرة من الشهداء، فكان قرار الاقتحام ردة فعل لا إرادية، فجرتها تلك الأنهر من الدماء التي سالت بغزارة، وتلك الأعداد من الأرواح التي كانت تسقط بكثرة، لذلك لم يتأخر الشباب، عن المضي قدماً بصدورهم العارية، لوقف الجبناء عن الاستمرار في إجرامهم، مهما كانوا محصنين بين أسوار وأبواب منيعة، بعض تلك الأبواب لم يتمكن الشباب من خلعها بأياديهم وسواعدهم الفتية.
ولأنه لا أدوات لديهم ولا وسائل تساعدهم على ذلك، ولم يكن الوقت يسمح لهم بالبحث عن تلك الوسائل، فابتكروا حلاً شبابياً كله رجولة وبطولة، وعنفوان، وعزة، وشموخ، وثورة، لقد شكلوا من أجسادهم مصعداً للدور الثاني، تقف مجموعات من الشباب، لتأتي مجموعة أخرى لتصعد على أكتافهم، وأخرى ثالثة، حتى وصلوا نوافذ الدور الثاني، ليقتحموا حصون القتلة، يلاحقونهم من غرفة إلى أخرى، هذه العملية لم تخلوا من سقوط العديد من الشهداء الذين كانوا يتساقطون تباعاً، فيأتي آخرين وآخرين، حتى تم القبض على العديد ممن لم يتمكن من الفرار، لأن بعض المنازل كان بها مخارج سرية للهروب.
مشاهد متفرقة، مسلحين جبناء، وبطولات عُزل.
القتلة واللصوص على الدوام يتصفون بالجبن، مهما توفرت لديهم من مقومات الدفاع والمقاومة، فحين شاهد القتلة تلك البطولات من الثوار وهم يتقدمون نحوهم بكل ثبات، كان القتلة يتخلون عن أسلهم ويفرون كالنعاج، البعض ألقى سلاحه ورفع يديه مستسلماً، للشباب الذين لا يملكون السلاح، البعض الآخر كان لديهم مخارج سرية أعدوها مسبقاً للهروب، أما أحدهم بحسب شهود عيان، فقد كان أكثر جبناً وخوفاً وفزعاً، فحين تبعه الشباب، فر إلى سطوح الدور الخامس، وحين تبعوه، ألقى بنفسه من السطوح.
لم يكن يوجد مهمة شاغرة.
برغم الفوضى التي كانت تبدو للناظر، لكن الجميع في تلك الأثناء كان له عملاً، تنوعت مهماتهم، هكذا بدون ترتيب أو تنسيق، كان الحدث هو الذي وزع الأعمال بينهم، فئة تقتحم البيوت التي فيها مسلحين، فئة تطارد قوات الأمن وتمدد ساحة الاعتصام، فئة تكسّر بلاط الرصيف لتعد الأحجار لرشق الجنود والقتلة، فئة تسعف الجرحى والشهداء مهما كانت مخاطر الوصول إليهم، فئة تحرس المنازل التي أصبحت فارغة من القتلة خشيت العبث فيها، فئة تتابع بقية المنازل المشتبه وجود مسلحين فيها وإن لم يُطلق منها النار، فئة تقوم بمسح كل البيوت على الساحة للتأكد من أي خطر فيها، وتحذر المالكين من إطلاق النار على الثوار، فئة تقوم بنصب الخيام في الأماكن الجديدة، التي وصلت جورا الجامعة القديمة، فئة توثق المشاهد، فئة تتبرع بالدم، فئة تساعد الأطباء والمسعفين، فئة توزع شيء من الطعام على من لم يأكل، لأن الجميع بدون غداء، فئة على مداخل الساحة لحراستها خشية المداهمة، الجميع كان يعمل، الجميع كان بطلاً في مجال من المجالات.
في ذلك اليوم مهما تكن المهمة التي يقوم بها أي ثائر، مهما يكن الفعل الذي يقوم به، فإنه يجد كل ما يقوم به لا معنى له، أمام ما قام به أبطال سطروا بطولاتهم بدمائهم المتناثرة على طول الساحة، أولائك الذين قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل وقف ذلك الجنون ألا إنساني، الذي رسمه صالح وقيادات نظام حكمه.
في ذلك اليوم وأنا أشاهد تلك الآثار واستمع لشهادات الثوار لم أكن أعرف أأبكي، أم أفتخر أم ماذا أفعل، لم أكن أتصور أن يحصل مثل ذلك الإجرام في بلد الإيمان والحكمة، في ذلك اليوم غسلت يدي من رئيس يمكن أن يكون لديه ذرة إنسانية، أو قيم أخلاقية، أو يمنية، في ذلك اليوم أيقنت بأن الثورة في مواجهة مع عصابة إجرامية.
ما أكد كل ذلك الأمر هو ظهوره في مساء ذلك اليوم أمام وسائل الإعلام، يبرر بوقاحة غير مسبوقة وساذجة، لتلك الجريمة البشعة، لعل الله أراد أن يهينه بتلك الصورة، وكان بمقدوره أن يترك غيره يفعل ذلك، ويداري هو إجرامه بشيء من الصمت السخيف، لكنه لم يقدر على ذلك، بل إنه استمر في إجرامه وطغيانه، سواء بقيامه بتكرار تلك المجازر البشعة التي لن ينساها التاريخ، في أكثر من مكان (ملعب الثورة، عصر، بنك الدم، القاع، كنتاكي، تعز، وغيرها) أو بقيامه بعد ذلك بمتابعة موضوع القتلة المحتجزين، حتى تم إطلاقهم وإخفائهم.
وهو ما حصل بالفعل من خلال خطه ماكرة، حيث دفع بالنائب العام إلى المطالبة بتسليم القتلة إليه للتحقيق معهم، وأن بقائهم في يد الفرقة هو احتجاز غير قانوني، وترك النائب العام يقوم ببدايات جدية وقوية في التحقيق، وبمجرد أن تسلم النائب العام المتهمين المحتجزين في الفرقة الأولى بتوجيهات وستلامات رسمية، وعندما بدأت تحقيقات النائب العام تصل إلى شخصيات كبيرة في الدولة، ترتبط بأسرة صالح وأبناء أخوته، قام صالح بتغيير النائب العام، وإخراج المتهمين، حيث أكدت مصادر عديدة أنه التقى بهم ومنحهم الرتب العسكرية والمبالغ المالية، نظير قيامهم بتلك المجازر المروعة، وبعدها تم إخفائهم وتغيير محاضر التحقيق الأولية، حسب شهادات بعض القضاة والمحامين المطلعين على القضية، نشرته العديد من الصحف في ذلك الوقت.
العجيب أن البعض لايزال يتحدث عن سلمية صالح، وأنه لم يفعل كما فعل بشار الأسد، أولائك يتجاهلون الواقع الذي يتحدث بصوت مسموع، بأنه لولا إدراكه بالنهاية التي يمكن أن يصل إليها صالح، إن حاول إشعال الحرب، هو يدرك بأن النهاية ستبدأ بالقضاء عليه، هو يدرك بأنه طوال أكثر من شهر، لم يتمكن بكل قواته من تحقيق غايته في القبض على مواطن واحد في الحصبة، ولم يتمكن من تحقيق أي انجاز، لا في أرحب، ولا نهم، ولا شر عب، ذلك هو الذي منعه من ارتكاب مجازر قد يبدو أمامها ما يفعله بشار في شعبه لعبة، مقارنة بما يمكن أن يحصل في اليمن الذي يحمل كل أبناءه السلاح.
الرحمة للشهداء، الشفاء للجرحى، المجد والخلود للثوار من أبناء هذا الشعب اليمني العظيم، الذين لن يفرطوا بدماء الشهداء، ولن يخلدوا ولن يستكينوا، لكل مستبد وطاغية، وهم مستعدين لتكرار تلك البطولات، دفاعاً عن ثورتهم وحقوقهم، ورغبة في بناء وطنهم، ورفاهية شعبهم.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.