وسط تصفيق حاد من الحضور، لوكيل وزارة الأوقاف الكويتية الدكتور عادل الفلاح، وهو يعلن تبني الوزارة لكثير من التوصيات التي خرج بها (مؤتمر الصحافة الإسلامية الأول) الذي أقامته الوزارة، ومجلة (الوعي) الإسلامي تحت شعار "الصحافة الإسلامية.. خطاب متجدد"، الذي عقد بالكويت قبل أسابيع؛ كنت مأخوذًا بذلك الحشد من النخب الإعلامية والفكرية التي كانت بتلك القاعة. المؤتمر ولا شك نقلة كبيرة في مسيرة الصحافة والإعلام الإسلامي، إذ أحسنت الكويت في خطوتها تلك باحتواء الإعلام الإسلامي عبر ذلك المؤتمر الذي سيعقد بشكل دوري، وأجادت مجلة (الوعي) الإسلامي في تنظيمه، وأبدع رئيس تحريرها الزميل فيصل العلي في انتقاء ضيوفها، الذين مثلوا كوكبة متنوعة من العاملين في هذا الحقل على مستوى العالم الإسلامي. وبودي هنا، التطرق لأبرز التحديات التي تواجه مسيرة الصحافة الإسلامية، ومن البداية فلست أبدًا من مناصري إصدار الصحف الورقية التي تعيش حالة احتضار في معظمها، إلا تلك الصحف الحزبية في الدول التي تتيح ذلك، رغم أن الزميلين جمال سلطان رئيس تحرير صحيفة (المصريون) وعادل الأنصاري رئيس تحرير صحيفة (الحرية والعدالة) أكدا حاجة الساحة المصرية للصحف، وأن تجربتهما ناجحة إلى حدٍّ كبير. عمومًا، كان هذا رأيي في تلك الندوة التي حضرتها، وقلت إن بعض الدعاة ورجال الأعمال في السعودية يستشيرونني في إصدار صحيفة ذات طابع محافظ، وكنت أجيبهم بأن وفّروا الوقت والجهد والمال؛ لأن فرص نجاح الصحف الورقية ضئيلة للغاية، وأن البديل الأفضل هو إنشاء موقع إنترنتي رفيع على غرار (العربية نت) أو (سبق)، فالموقع يؤدي الغرض بامتياز في إيصال الرسالة، بأقل الأكلاف والجهد مقارنة بالصحيفة الورقية. ربما من أهمّ التحديات التي يواجهها الإعلام الإسلامي يكمن في عدم وجود أكاديميات علمية إعلامية كبيرة في العالم الإسلامي تقوم بتخريج إعلاميين يحملون همًّا رساليًا، وهناك ضعف الدعم المادي للإعلام الإسلامي، فما زال كثير من رجال الأعمال يجهلون خطورة وأثر الإعلام، وأهميته في تشكيل وعي الأمة، وقد يجد أحدهم أن بناء مسجد أهمّ من دعم صحيفة أو وسيلة إعلامية تؤثر فى الناس. من خلال عملي في هذا الميدان على مدى عقدين من السنوات، ثمة إشكال يتمثل في نشوء الصراعات بسبب التعصّب الحزبي، والانتماء للتيارات الإسلامية التي تختلف عن بعضها، وأضرب لذلك مثالًا بمشروع (إسلام أون لاين)، فقد كان مشروعًا إسلاميًا إعلاميًا متميزًا، وللأسف فقدناه بسبب الحزبيات الضيقة، التي تُشرذم العاملين في الإعلام، وتضع بينهم سدودًا وحواجز من البغضاء والشحناء. وينشأ من التحزب هذا شيوع المحسوبية، ومحاربة المبدعين لمجرد مخالفتهم لرؤيتنا، أو لفهم الحزب والتيار القائم على المؤسسة الإعلامية الإسلامية. للأسف الشديد، لم يفلح الإخوة القطريون الذين نازعوا الكادر المشرف على موقع (إسلام أون لاين) في مصر، في الاستمرار بالموقع متألقًا وقويًا، ولم يستطع الكادر الذي بقي في مصر من الاستمرار بالموقع، لأكلافه المادية الثقيلة، وأجهض أقوى مشروع لموقع إسلامي على الإطلاق بسبب هذه الحزبيات الضيقة. ما يقودني هنا لإدراج تحدّ كبير أمام هذا الإعلام، يتمثل في تدخل الداعمين في سياسة الإعلام الإسلامي، وهذا تحدّ تواجهه كثيرٌ من وسائل الإعلام القائمة على دعم رجال الأعمال، وكثيرًا ما يكون هذا التدخل سلبيًا، وذلك يرجع إلى أن لكثير من رجال الأعمال مكتسبات يريدون أن يحافظوا عليها، وربما يكون لبعضهم توجّه يخالف السياسة الإعلامية التي قامت عليها الصحيفة أو القناة الإسلامية. هناك تحديات أخرى أقل أهمية تكمن في قوة الإعلام المضاد للإعلام الإسلامي وتميزه، وإمكانياته الجبارة، فضلاً عن ضعف القيادات الإدارية المتميزة في كثير من الوسائل الإعلامية الإسلامية، وهذه مشكلة كبرى تُحيط بالإعلام الإسلامي، وضعف القيادة الإدارية أنتج ضعفًا في الرؤية، وفي التخطيط، وفي تحقيق الهدف. والإدارة والتخطيط الجيدان هما أهم مرتكزات النجاح لأي وسيلة إعلامية. ولمواجهة هذه المشكلة ينبغي التأكيد على أنه لا تُعطى الإدارة إلا لمستحقها، ويجب أن يكون من ذوي الخبرة الإعلامية، أو صاحب تخصص أكاديمي، مارس المهنة وأجاد فيها، فالعلم الشرعي وحده ليس كافيًا للإنسان ليقود وسيلة إعلامية مؤثرة. عمومًا، كانت لفتة ذكية من الكويت بتبنّي هذا الملتقى الذي حضره وزير الإعلام المصري صلاح عبدالمقصود بنفسه، وألقى كلمة المشاركين، وهل أقوى وأبعد نظرًا من احتواء كوكبة العاملين في الإعلام الإسلامي في الوقت الراهن الآن في ظل هذا الصعود لهم عبر الربيع العربي.