رغم ان "العرط" صفة منتقدة اجتماعيا الا اننا نرى حولنا الكثير من "العرّيطة" ونصادفهم في كل مجالسنا ومناسباتنا، بعضهم نعرفه سابقا ونكون مستعدين ل "عرطه" قبل أن يبدأ، وبعضهم نكتشفه خلال دقائق معدودة من بداية حديثه، بعضهم له شخصية خفيفة الظل ونفرح احيانا باسلوب "عرطه" الجميل وبعضهم ثقيل الظل و"عرطه" من النوع "اللي بغم البال"، بعضهم يتمتع بصفات جميلة كالطيبة والكرم والنخوة وحب الاخرين والرغبة في مساعدتهم ولا يعيبه الا "العرط" وبعضهم لا تكاد تجد فيه اي صفة جيدة ويستخدم "العرط" ليرسم لنفسه هذه الصورة الجيدة لدى الاخرين. هذا "العرط" الذي نصادفه من قبل البعض في حياتنا اليومية يعكس نوعا من الاحباطات التي يعاني منها المجتمع، وهو يؤشر الى حالة فشل شديدة يعاني منها "العرّيط" في حياته، فعندما نسمع احد "العرّيطة" يتحدث كثيرا عن انجازاته فلنعلم انه بلا انجازات، وان تحدث عن بطولاته فلنعلم انه يتمنى ان تكون له بطولة، وان ثرثر كثيرا عن شجاعته فلنعلم انه خائف، وان اخبرنا عن رؤية شيء خارق للعادة فلنعلم انه يعاني من التهميش ويريد ان يكون في مركز الاهتمام، وهكذا … و"العرّيط" في تراثنا الشعبي القريب هو فاكهة المجالس، حيث لا وسائل للترفيه وليس هناك غير المجالس والدواوين، وكان لا بد من خلق حالة من المرح لجعل هذه المجالس محببة، وهنا يأتي دور "العرّيط" الذي يخلق حالة المرح لدى الحاضرين ويدفعهم للضحك والقضاء على الملل، لذلك فان مصلحة الحاضرين كانت ترتبط بتعزيز حالة "العرط" وليس مواجهتها او منعها، فنرى الكثير من الخبثاء يدعمون "العرّيط" ويدفعونه للمزيد من "العرط" من خلال اظهار تصديقهم له واقتناعهم بما يقول، ونظرا لان "العرّيط" اساسا يعاني من نقص ما في حياته دفعه الى هذا "العرط" فانه غالبا ما يصدق هؤلاء الخبثاء ويقتنع بفكرة "العرط" اكثر واكثر، وذلك لانها تشبع عنده النقص الذي يعاني منه من ناحية، وتخلق منه – كما يعتقد هو- شخصية اجتماعية مرغوبة من ناحية ثانية. في بعض الحالات فان "العرّيط" يذهب بعيدا في تصديق نفسه، وتشتد عنده الحالة وتكون اصابته شديدة جدا، فيؤمن تماما بان كل ما يقوله سيقتنع به الاخرون، وهذه هي اشد الحالات النفسية التي يصل اليها "العرّيط"، وهنا فان حالة "العرط" التي يعيشها هذا الشخص تجعل منه صيدا سهلا للخبثاء الذين يمعنون في تعزيز حالة "العرط" عنده ويدفعونه الى الكثير من المواقف التي تخلق برأيهم حالة من الكوميديا الشعبية التي يحاولون الوصول بها الى ذروة الضحك والتهريج، فهم يدفعونه احيانا للاشتراك بمسابقة للمواهب مثلا وهم يعلمون انه لا يملك الموهبة التي سيشترك في مسابقتها، او يدفعونه الى مواجهة ما وهو ليس اهل لها، وقد يصل الامر الى ان يدفعونه الى ان يكون مرشحا في الانتخابات، ولن يجدوا صعوبة في اقناعه بذلك لانه مستعد اساسا لتقبل الفكرة ومقتنع بنفسه الى درجة انه هو من يلم الخبثاء من حوله ويدفعهم دفعا لخداعه. وعند دخول "العرط" الى الانتخابات فان تأثير العامل الاجتماعي يصبح اكثر اندماجا وبروزا في العامل السياسي، وهنا لا بد من التطرق ليكيفية دخول "العرط" وتأثيره في عالم السياسة، حيث يظهر هذا التأثير في عدة مستويات تبدأ بالمسؤول وتنتهي بالمواطن البسيط مرورا ب "العرّيط" المعارض طبعا، فالمسؤول يستخدم اسلوب "العرط" في جانب الانجازات "العظيمة" التي حققها، ولا ينسى طبعا ان يسفه دور من سبقه من مسؤولين وكيف انه اتى الى موقع المسؤولية وقد كان خرابا فانقذ الموقف واصلح الامور واعادها الى طريقها الصحيح، ولولا وجوده لكانت ستكون كارثة كونية لن ينجو من توابعها احد، اما الجانب الاخر الذي يظهر فيه "عرط" المسؤول – والذي يشترك فيه هنا مع المعارض "العرّيط" – فهو الجانب المتعلق بما سيحققه مستقبلا، اذ نراه يدعي وضع الخطط التي سنجني ثمارها قريبا والتي تبشر بمستقبل مشرق وواعد. اما على مستوى المواطن البسيط عندما يتحدث او يحاول ان يعمل في السياسة، فان جانب "العرط" عنده يعتمد على اكثر من عامل منها مدى الذكاء الاجتماعي الذي يتمتع به وقدرته على جذب الناس واقناعهم ب "عرطه"، ولنعترف ان بعضهم يمتلك موهبة "العرط" الذي ينطلي على قطاع واسع من الناس، اما بعضهم الاخر فيفتقد لهذه الموهبة ونراه يستخدم نفس اسلوب "العرط" الذي كان يمثل الفقرات الكوميدية في مجالسنا ودواويننا الشعبية. مشكلة هذا النوع من "العرّيطة" انهم لا يملكون قدرة على تقييم انفسهم بشكل صحيح، وتراهم مقتنعون بان تلك الرؤوس التي تهز بالموافقة امامهم انها رؤوس المصدقين لهم وانهم نجحوا باقناع اصحابها ب "عرطهم"، وهم لا يقدرون على التمييز بين من يضحك لهم ويضحك عليهم، وليس لديهم اي قدرة على اكتشاف الاشخاص الذين حولهم والذين يدفعونهم الى مزيد من "العرط" بهدف الضحك والامعان في تصوير شخصية هزلية يتندرون عليها بدافع من خبث وفراغ، وهم في النهاية لا يدركون مدى حاجتهم للمساعدة التي تخرجهم من حالة الوهم التي يعيشونها. ان من يجب الحذر منه هو ليس اولئك "العريطة" الذين سيحررون فلسطين ويخرجون النفط وينهوون كل مشاكلنا ويصنعون من بلادنا جنة خضراء، فهولاء "العرّيطة" على الاغلب هم من الطيبون الذين هم بحاجة الى مساعدة اجتماعية، ولكن ما يجب الخوف منه فعلا فهم اولئك "العريطة" الذين يتمتعون بقدر من الذكاء الاجتماعي الذي يمكنهم من صياغة "عرطاتهم" بطريقة قد يكسبون معها اتباعا ومؤيدين، فهؤلاء اشد خطرا واكثر لؤما من اولئك الطيبون المغرر بهم والذين قفزوا الى صورة المشهد الانتخابي هذه الايام.