التيار الإسلامى بجميع روافده يحظى بقبول عام فى المجتمع المصرى كما فى أى مجتمع عربى آخر، بحكم موجة الإحياء الدينى التى غيرت وجه كثير من المجتمعات طوال العقود الماضية، ولا توجد أى مفاجأة فى فوز التيار الإسلامى فى أى نزال ديمقراطى، سواء كان انتخابات أو استفتاءات، هى بديهيات سياسية يعرفها مواطنو بلداننا كما يعرفها مراكز الأبحاث فى الخارج وصناع القرار، والذين يتحدثون عن تدخلات وتأثيرات أو تزوير لتبرير خسارتهم النزال الانتخابى أمام الإسلاميين هم أول من يعرف أنهم يخدعون أنفسهم والناس، المعادلة شديدة الوضوح، وهى لم تأتِ عبثًا، أو خبط عشواء، أو بدعوى استخدام الإسلاميين للشعارات الدينية، فالجميع يستخدمها، ولكن الناس لديها حاسة الفرز الفطرية، بين من يمثل عليهم بالدين ومن يتعايش معهم به على مدار اليوم والساعة فى مناسباتهم الاجتماعية وفى همومهم وأفراحهم وأحزانهم ومصائب الدنيا وعاديات الزمن، بينما يشتغل الآخرون بمحاولات استثمار الدين طائفيًا من باب النكاية السياسية، فتراهم فى الكنائس أكثر مما تراهم فى المساجد، لمجرد النكاية أو الظهور "الإعلامي" بمظهر التسامحى والمنفتح، وهى "حركات" تصلح للتصدير الخارجى والفضائى، ولكنها لا تصلح لبناء جسور ثقة أو تصالح إنسانى حقيقى وصادق ومؤثر مع المجتمع، أضف إلى ذلك أن الإسلاميين دفعوا ثمن صلابتهم السياسية والأخلاقية والعقائدية من أعمار وأجيال ذهبت على أعواد المشانق أو فى أقبية السجون، فالإسلاميون يحصدون ثمار جهد أخلاقى وتعبوى دؤوب وعظيم قدموه على مدار سنوات طويلة، بينما كان الآخرون يستدفئون بظل السلطة أو يعملون فى فنائها الخلفى أو يؤثرون السلامة ويكتفون بنظرات الاحتقار والاستعلاء فى مواجهة الشعب المغلوب على أمره. ومن ثم، فمن تحصيل الحاصل أن نؤكد أن الإسلاميين هم فرسان أى سباق انتخابى فى مصر الآن ولعدة سنوات مقبلة، وخصوم التيار الإسلامى يدركون ذلك جيدًا، ولكن رهانهم الحقيقى على إمكانية تآكل نفوذ الإسلاميين الشعبى مع الوقت ومع الممارسة السياسية التى يكثر فيها الخطأ، وهو رهان حقيقى وعملى وممكن، ولكن يشترط له أن يكون هناك بالمقابل جهد شعبى حقيقى من قبل الآخرين, وتواصل مع جذر المجتمع واحترام لهويته وحساسياته الدينية والأخلاقية، أما ممارسة السياسة عبر تغريدات تويتر والاحتماء باستديوهات الفضائيات من غبار القرى والنجوع والبوادى والشوارع والحوارى والمصانع والغيطان، أما ممارسة السياسة عن طريق التعالى والاستكبار واحتقار قيم المجتمع وهجاء مقدساته، فهو يصلح للصالونات النخبوية المغلقة، البائع فيها هو المشترى، ولكنه لا يصلح للتواصل مع ملايين المصريين، فالتصالح مع الأمة، والتصالح مع الناس، والتصالح مع المجتمع شرط أساس لتحقيق طفرة فى العمل السياسى الديمقراطى الحقيقى والجاد، وإذا حدثت هذه المصالحة من قبل التيار "المدني"، فإنها بالتأكيد ستؤدى إلى مصالحة وطنية شاملة، لأنها تقلل الفوارق الأيديولوجية والثقافية والقيمية بين التيارات المختلفة، وتجعل قاعدة المشترك أوسع كثيرًا من مساحات المختلف فيه، وهو ما يمثل أهم ضمانة للسلام الاجتماعى وترسخ المشروع الديمقراطى على أسس سليمة وثابتة، باختصار، التيار المدنى بحاجة إلى خطاب إنسانى جديد، ووعى سياسى وإنسانى نابع من عمق الخبرة المصرية، بعيدًا عن الاستيراد أو الاستنساخ أو الاستسلام للكسل الفكرى المدمر للإبداع والبصيرة.