من نافلة القول أن اليمن تعيش أسوى فتراته على الإطلاق سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، والأمر لا يحتاج إلى قرائن أو إثباتات ولا يستطيع أحد انكاره. فنظرة واحدة إلى ملامح الإنسان اليمني وتقاسيم وجهه كفيلة بأن تختزل الكثير من المفردات والعبارات في وصف هذا البلد المثخن بالجراح وتعبر عن حجم المآسي التي يعتصر فيها. منذ نعومة أظافره يتعلم اليمني أن بلده هي موطن العرب الأول وأنهم قد هاجروا منها وانتشروا في كل أصقاع العالم وتتتجذر في مخيلته هذه الفكرة على أنها ميزة لنا ولهذا البلد غير آبه بالسؤال لماذا هذا الوطن يطرد أبنائه؟؟ لكنه يدرك لاحقا أن هذه الميزة ما هي إلا نقمة حلت عليه. رغم أن البلد ينعت منذ القدم باليمن السعيد يتسائل اليمني بحرقه وهو يقلب صفحات الأيام ناظراً على حال وطنه منكرا كل قصص الماضي متى كان هذا البلد سعيدا؟ وإن كان كذلك لماذا تفرقت أيدي سبأ وتبعثر أبناءها في كل العالم ؟ هل هي لعنة الكفر التي ظلت تطاردهم حتى مزقهم الله كل ممزق؟. حتى في العصر الحاضر وبعد أن شهد له الرسول بالإيمان لا يزال هذا الإنسان متأبطا جواز سفره وممسك بحقائبه مستعدا للرحيل ففي كل الأوطان متسع كثير إلا وطنه. تمر على مخيلته كثير من التساؤلات ماذا جنت أيدينا حتى يلقي الزمان كل هذه الأوضاع السيئة علينا وحدنا بينما ينعم محيطنا وجيراننا بالأمن والاستقرار والعيش الرخاء لسان حاله يقول : يا كاتب التاريخ ماذا جد فاستثنيتنا؟ أترها قد ضاقت علينا وحدنا!. لكنه يلقي الإجابة التي ينتظرها حينما يمعن في البحث فلا التاريخ ولا القدر هم سبب معاناته بل من تولوا زمام هذا الوطن وقادوا دفته هم وحدهم المسئولون عن كل هذا الفساد السياسي والاقتصادي حتى أصبح الحاضر كئيبا غارقا في القذارة وأضحى المستقبل مظلما. الآن كل ما يتمناه اليمني من قيادته أن يتقوا الله فيه وأن يضعوا حداَ لمعاناته فلقد ضاقت عليهم مهاجرهم كما ضاق عليهم وطنهم. كل ما يريده أن يقضي أغلى أيام الشباب والقوة في بناء بلده بدلا من بنى بلدان الغير ، كل مايتمناه أن يترعرع أبناءه أمام عينه ، كل ما يريده أن يترك في جواز سفره بعض الأوراق الخالية ليرسم فيها أحلامه بدلا من أن ترسم فيها تأشيراته. يقول هذا صارخاً في وجه من بيده أمر هذا الوطن ….. أما آن لنا أن نرتاح ؟!.