بادئ ذي بدء لابد من الإشارة في هذا المقال لا بد بالدرجة الأولى من محاكمة نهج الاستعلاء على الدولة اليمنية في الحقبة التاريخية الأخيرة،ومحاولة تحطيمها وتفكيكها وتحويلها إلى دولة فاشلة،من خلال انتشار الفساد المالي والإداري بكل مفاصلها،وتأخر عملية التنمية في المجالات العلمية والاقتصادية والسياسية،وتخلف نظم التعليم,وغياب مبادئ الحكم الرشيد،والمشاكل الاقتصادية كالبطالة والفقر وتدني مستوي المعيشة,قطع الكهرباء وتفجير أنابيب النفط والغاز من وقت لأخر،انفلات أمني ممنهج،وإرهابيو القاعدة الذين كانوا يقومون بتفجير السيارات المفخخة وتنفيذ الإغتيالات من وقت لأخر،وغياب الممارسة الديمقراطية في المؤسسات وضعف الأحزاب والتنظيمات السياسية،الثأر والتقطعات القبلية ،وغيرها من الأزمات والصراعات السياسية التي حولت الوحدة اليمنية من نعمة إلى نقمة على اليمنيين. وكذلك إضعاف مؤسسات الدولة من زعماء القبائل والتي استهدفت في الأساس إلغاء فكرة دولة المؤسسات وربطها بالأشخاص، كانت الهضاب والمرتفعات والأراضي والمزارع والمنازل الخاصة والعامة وحتى الشواطئ والمطارات تنهب جهارا نهارا من قبل بعض المشايخ القبليين والدينيين ومتنفذين مدنيين وعسكريين,ممن نصّبوا أنفسهم زعماء فوق رؤوسنا،وأمنوا أنفسهم بالمال والممتلكات اللازمة للزعامة الجديدة،وكانوا حريصين على استشراء السرقة والاختلاس والرشوة في البلاد،فتبوؤا المناصب والمراكز الرفيعة،التي توارثوها أبا عن جد،من أعلى الهرم في السلطة وحتى أصغر هيئة أو مؤسسة في الدولة،وتحويل العمل السياسي والإداري إلى عمل حزبي،مما ولد شعورا بالظلم في معظم مناطق اليمن لدى كثير من النخب والفئات الاجتماعية التي وجدت نفسها على هامش الحياة السياسية. فقد كانت المناصب في المؤسسات(المدنية والعسكرية والأمنية) توزع كأسهم بين الأبناء والإخوة وأبناء الأخوة،وأبناء العم والأنساب والأصهار،وعلى المشايخ وأبناء المشايخ،والقادة العسكريين وأبنائهم، وللمؤلفة قلوبهم من الأحزاب والقبائل والتجار،ولمن كانوا يدعون أنهم أوصياء على بعض المحافظات،وتم اختزال خمسة وعشرين مليون نسمة هم عدد سكان اليمن،في خمسة إلى ستة أشخاص أسمائهم جميعا تبدأ بحرف العين(ع،ع،ع،ع،ع،ع)مضاف إليهم في السنوات الأخيرة كمقدمة للتوريث العمداء الثلاثة(ا،ي،ط)، والذين كانوا يقومون بتعيين الوزراء والسفراء والمحافظين وأعضاء مجلسي النواب والشورى على مبدأ (الأقربون أولى بالمعروف)(وخيركم خيركم لأهلة)بدلا من المؤهل والقدرة والأمانة. وعلى مراحل زمنية طويلة كانت التعيينات في الحكومات المتعاقبة والمتتابعة لاتخرج عن المبدأين السابقين،ويشترط في الشخص المعين ألا يختلف مع رؤسائه ويطيع الأوامر دون مناقشة أو اعتراض،تطبيقا للقاعدة السحرية(الشور شورك يافندم)و(القول قولك يا استاذ)، كما يشترط فيه أن يكون من أصحاب كلمة نعم،ويمدح رؤسائه وكل ما يقولونه صحيح،وأن يكون ضعيف الشخصية حتى تسهل قيادته،وألا يتصف بالجرأة والمهنية العالية في اتخاذ القرارات. وأن يكون من ألأشخاص الفاسدين والمطيعين ومقبلي الأيادي ومن المستجديين و الباحثين عن العطايا،الموثوق بولائهم وبرائيهم،وبالتالي ستنهال عليه المناصب والعطايا،فتجده وزير ورئيس مجلس إدارة شركة حكومية،وفي الوقت نفسه رئيس تنفيذي لهيئة حكومية،وعضو مجلس إدارة في بنك حكومي،هذه المعايير والتوصيفات،تسلط الضوء على الكيفية التي كانت تتم فيها تعيين المسئولين في هذا البلد،وهنا نتساءل وبمشروعية إذا كانت هذه الطريقة التي تتبع في تعيين المسئولين،فكيف ستكون مخرجات أدائهم ومدى حرصهم على مصالح البلاد والعباد؟. وبالتالي فالنتيجة الحتمية لهذا السؤال ستقودنا إلى سؤال أكبر ألا وهو المتعلق بحقيقة من يدير الدولة اليمنية في الحقيقة؟ في ظل نخب سياسية لا هم لها إلا السلطة ولا ثقافة لها إلا ثقافة تقاسم المال والجاه،وأصبح المواطن اليمني،لا يثق لا في السلطة ولا في المعارضة فالكل لديه سواء في كل شيء،وجميعهم صنعوا هذا الفساد وشاركوا فيه وكلهم صنعوا الفوضى السياسية،التي أفسدت بناء الدولة العادلة،وأصبح الكثير من القادة الحزبيين ورجال الفكر والسياسة مجرد أدوات بيد الحاكم،لشرعنة الفساد وإفساد منظومة القيم الاجتماعية،وإجهاض كل محاولات التقدم والنهوض،ورغم مرور(23)عاما على قيام الوحدة اليمنية و(51)عاما على ثورتي سبتمبر وأكتوبر،فإن الرئيس السابق صالح والحكومات السابقة كانوا طيلة(33)عاما،يحملّون أعدائنا الوهميين كل مشاكلنا من كوارث وأزمات ومصائب(الإمامة-الاستعمار-الرجعية-الشيوعية-الامبرياليه-الصهيونية-امريكا-القاعدة-الانفصاليين-الطابورالخامس) وجعلوا منهم شماعات يعلقون عليها إخفاقاتهم وفشلهم في حكم اليمن. وطوال حياتي كمواطن يمني وعربي، لم أسمع أن رئيسا أو ملكا أو أميرا أو وزيرا أو سفيرا قد اعترف بأنه قد أخفق في أداء مسئولياته أوقد ارتكب جرماً في حق وطنه وأمته،فيقدم استقالته ويعتذر لهم،مثلما يحدث في بلاد الكفرة،لكننا جعلنا زعمائنا كالملائكة أو الرسل لا يُخطِئون ولا يُخطّئون،ولا يتحملون وزر ما نتعرض له بسبب فشلهم،وظللنا نعلق كل خيباتنا على شماعات المؤامرات الخارجية بعيدة عنهم وعن تصرفاتهم،فهل نحن اليمنيين بشكل خاص والعرب بشكل عام تأخذنا العزة بالإثم فلا نعترف بأخطائنا،ولا نتحمل وزر كل ما جرى ويجري لنا؟ أم أن هناك رأي آخر تعتقدون هوا السبب في انتشار الشماعات العربية ؟.والله من وراء القصد والسبيل.