يحاول البعض أن يحصر الصراع الدائر في منطقتنا على مشروعين دون غيرهما، هما المشروع الإيراني والمشروع الأميركي صهيوني. هذا الموقف يتجاهل الحقيقة، فثمة مشروع ثالث يتمثل بالمقاربة الإسلامية القادمة من خلال صناديق الاقتراع والمعبرة عن إرادة الناس وخياراتهم. هذا المشروع حقيقي مستقل ونامي ويعبّر عن توجهات الناس في منطقتنا، كما أنّه لم يسفك دما واحترم الأقلية وصبر عليها كما في مصر. اليسار العربي ينحاز بشكل سافر إلى المشروع «الإيراني – الروسي» وما موقفه من الأزمة السورية إلاّ استجابة لهذا الانحياز. وحين تحاور هؤلاء أو تقرأ منطقهم تجدهم يفتقدون المشروع الذاتي «القومي أو اليساري» ويعادون المشروع الصهيوني ويعتقدون أنّ المشروع الإسلامي مناقض لتطلعاتهم. لكنهم في المقابل لا يحترمون الصناديق ولا يرونها طريقا للخلاص، ولربما لو كانت نتائجها على هواهم في مصر وتونس لكان موقفهم مختلفا جدا. والأدهى أنّهم لا يعترفون بالمشروع الإسلامي ويحاولون إلحاقه بالأميركي في إطار معادلة ظالمة يتناسون فيها أنّهم ملحقون أصلاء بمشروع روسي إيراني قبيح الأهداف. الإسلاميون بدورهم يتعرضون لحملة تشويه غير منطقية، فقد فازوا بمواقع الحكم على قواعد من الديمقراطية ورغم ذلك يتم اتهامهم بأنّهم إقصائيون وأنّهم متأمركون، ولعلّ صك البراءة لن ينالوه إلاّ إذا قرروا تغيير حجومهم وخسارة أوزانهم الحقيقية. المستفيد الأكبر من هذا التجاذب هو المشروع «الأميركي – صهيوني» فهم يضعون ثقلهم في تواصل عملية استنزاف المشروعين الآخرين لبعضهما البعض في الساحة السورية وفي غيرها. المسؤول عن الاستنزاف وزخمه الجديد هو المعسكر الإيراني وحلفاؤه من يسار العرب وليس الإسلاميين، فهذا الدعم الكبير لنظام بشار المتهاوي كان بالإمكان تحويله إلى عملية تحول سياسي في دمشق تمكّن الشعب السوري من دولتهم ومؤسساتهم دون كل هذا الدمار للكيان وللحلفاء. وحتى لا نختزل الحقائق هناك ثلاثة مشاريع تتصارع بقوة في المنطقة، صحيح أنّ أقواها هو «الأميركي – صهيوني»، إلاّ أنّ المستقبل هو للمشروع الإسلامي بالرغم من كل الاستهداف ومحاولات التشويه، وكذلك بالرغم من أخطاء الإسلاميين وعثراتهم. التخوين بات لغة يسارية تستعيد أدبيات مؤسسيهم وهم حائرون محيرون لنا. نظام الملالي أقرب من أيّ طرف وان النكاية أهم من الأوطان.