بالاسم والجسم والشكل وصولا الى الفكر المكتوب على الورق فقط.. هي أحزاب. أما عندما يصل الامر الى الفعل والتطبيق لا تعدو كونها مجرد وعاء ملئ بالتناقض والكسل والتراجع، وخارجة عن سياق الزمن. يستوقفك الكثير من غياب الرؤيا والكثير من التناقضات وانعدام المواقف والتراجعات، وفي أحيان كثيرة التنازلات، والانحدار السياسي، وانخفاض السقوف حتى عادت بلا رقبة. وأمام اقتصار عملها على بيانات الإدانة والشجب والاستنكار والرفض والاعتراض والنفي، لم يعد للأحزاب في عالمنا العربي مبرر للبقاء، فقد ملت الجماهير الكادحة ذلك الشكل من النضال الذي صعد على حساب اللغة حتى بتنا نتساءل: ما الذي أفرغ الكلمة من محتواها ومضمنوها الحقيقي، لتتحول إلى مجرد «كلام»؟ «الربيع العربي» حرق جميع الأوراق، وأطاح بالكثير من المقامات التي كانت حتى وقت قريب أصناماً تتلقى التقديس من خلال الهالة التي وضعت نفسها بداخلها. للمرة الألف يثبت الشارع العربي الذي طالما وصف بالموت السريري أن الأحزاب مجرد وعاء فارغ؛ كونها منشغلة بأمور وشجون أخرى لا علاقة لها بإيقاعاته، فمنها ما هو مفتون بالمساجلات الصالونية، ومنها ما تحول إلى أندية وجمعيات تحولت إلى فعاليات مهرجانية موسمية، بحيث كفاها الله شر القتال. وبات عليها أن تدرك أن داءها الحقيقي هو تراجع الحس بالمسؤولية الأخلاقية، وتنامي الهويات الفرعية وعزلتها عن الشارع. ترحيل المشاكل بات أمراً مقززا، ولم يعد يجدي بقاء هذا الحجم الهائل من التناقضات والمشاكل، وربما الفساد الذي تراكم واستفحل عبر تلك السنوات حتى وصل هذا المستوى المتدني من الأداء السياسي. لقد بات على الأحزاب ان تعمل بسرعة لترميم بيتها الداخلي؛ لتتناسب مع تطورات الوضع والتحولات السريعة التي تجري في الواقع، وصار لزاما عليها أن تعلم أن عصر الأممية والتعليمات القادمة من خارج الحدود انتهت «اذا أمطرت في موسكو حمل يساريو الشرق الشمسية في تموز»، فالواقع يفرضه الشارع العريض. لم تدرك الاحزاب بعد كل هذه السنوات من العمل ان العلاقة بينها وبين المجتمع علاقة بين عنصرين متداخلين ومتجاذبين؛ فإذا كان المجتمع هو من ينشئ الدولة، وهو الذي منحها الشرعية، فإن مؤسسات المجتمع المدني وأهمها الأحزاب هي المسؤولة عن توعية المجتمع وتطويره. ولا يمكن ان تكون هناك حياة ديمقراطية سليمة اذا كانت العلاقة بين الأحزاب والمجتمع مليئة بالريبة الشك وفقدان الثقة. في الاردن تقول المعارض إن الدولة لم تسع لإقامة حياة حزبية سليمة، وبقدر ما كانت هذه العبارة سليمة وصحيحة، بالقدر ما استخدمت كشماعة لتعليق العجز والكسل والأخطاء عليها.