لم يشدد الإسلام في شيء من المحرمات تَشديده في تحريم قتل المسلم عمداً، وقد ورد هذا التشديد الشديد في القرآن، وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً} (النساء: 93). نلاحظ هذا الجزاء الذي رتبته الآية على الشخص الذي مؤمناً عامداً متعمداً، مع سبق الإصرار والقصد والعزم: جزاؤه جهنم، ويوقع الله عليه غضبه، ويصب عليه لعنته، ويعد له عذاباً عظيماً.. ماذا ينتظر هذا المجرم القاتل من العذاب عندما نفهم هذه الجمل الأربع المذكورة في الآية؟ وماذا بقي لهذا المجرم عندما يغضب الله عليه، ويلعنه، ويطرده من رحمته، ويدخله جهنم، ويعذبه فيها عذاباً عظيماً؟ والأحاديث الصحيحة التي تحرم وتجرم قتل المؤمن وسفك دمه كثيرة، نكتفي منها بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً»، وقوله: «أول ما يقضى به يوم القيامة بين الناس الدماء»، وقوله: «من أعان على قتل أخيه ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب على جبينه: آيس من رحمة الله». وقد ذهب بعض العلماء إلى أن قاتل المسلم عمداً مخلد في النار كالكفار، وفي مقدمتهم حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، حيث كان ابن عباس يشدد في قتل المسلم، ويرى أنه لا تقبل توبته، وأنه لن يخرج من النار، وكان يعتمد على الآية في ذلك، وتابعه على رأيه بعض العلماء. ومن روائع ما يقال في هذا أنه كان أحد كبار العلماء جالساً في المسجد يدرس، وحوله مجموعة من تلامذته، فدخل عليه رجل غاضب معه سلاح، وطرح عليه سؤالاً: هل لقاتل المسلم توبة؟ فنظر إليه العالم، وبعد لحظة أجابه قائلاً: لا توبة لقاتل المسلم، وهو مخلد في نار جهنم! ولما خرج الرجل قال أحد التلامذة للشيخ: لماذا ليس له توبة مع أن الله يغفر الذنوب جميعاً؟ فأجابه العالم: صحيح أن له توبة، وأنه إن تاب تاب الله عليه، ولكنني عندما نظرت للرجل رأيت الشرر يتطاير من عينيه، وأنه ذاهب لقتل رجل، ومصمم على ذلك، وأنه أتى إلي ليأخذ مني رخصة وفتوى، فإن قلت له توبة قال: أقتله وأتوب! فأحببت أن أشدد عليه ليتوقف عن القتل!! وأنا متابع لابن عباس رضي الله عنهما ولهذا العالم الجليل، وأقول: إذا كان قتل مؤمن واحد فيه هذا العقاب، فكيف بقتل العشرات والمئات؟ وكيف بقتل وإبادة شعب بكامله؟