الديمقراطية التي تشدق بها الغرب، توشك أن تسقط وتذهب إلى مزابل التاريخ في منطقتنا العربية. عام 2006 فازت حماس في انتخابات حرة وشفافة وديمقراطية أشرفت عليها سلطة محمود عباس، فرفضت دول الغرب التعامل مع نتائجها، واحتقرت إرادة الشعب الفلسطيني وقاطعت ممثليه المنتخبين، وتحالفت مع الذين سعوا من اللحظة الأولى للانقلاب على نتائج صناديق الاقتراع. وها هي تعيد الكرّة في مصر، فتنقلب على الديمقراطية وعلى مبدأ التداول السلمي للسلطة، وترفض تسمية الأمور بمسمياتها، وتظهر التعاطف مع الانقلابيين، وتعبّر عن تفهّمها وتقبّلها لمقولة شرعية شعبية تتناقض مع شرعية صناديق الاقتراع ومع آلية التداول السلمي للسلطة. الديمقراطية في فلسطين ومصر جاءت بحماس والإخوان المسلمين، فكان لا بد للدول الغربية من إجهاضها وإفشالها والتآمر عليها ومحاصرتها وخنقها. أما حين تأتي الدكتاتورية والأوضاع الاستثنائية والخروج على الديمقراطية بحلفائها سلام فياض رئيسا للوزراء في فلسطين ومحمد البرادعي نائبا للرئيس المعيّن من الانقلابيين في مصر، فإن ذلك ينزل بردا وسلاما على قلب واشنطن والعواصم الأوروبية. لقد رعت الدول الغربية ودعمت ووفرت الشرعية والغطاء لأنظمة الفساد والاستبداد في المنطقة على مدار عقود سبقت الربيع العربي الذي فاجأها وصدمها وأسقط أعزّ حلفائها عن السلطة، وها هي تسترد أنفاسها وتستجمع قواها وتتحرك لوأد الربيع العربي ولسحق إرادة الشعوب، ولإعادة إنتاج ذات الأنظمة الفاسدة والمستبدة. الغرب يمارس نفاقا سياسيا وازدواجية معايير مقيتة في المنطقة، ومواقفه المعلنة والعملية تقول للشعوب العربية بلسان صريح: الديمقراطية مطلوبة للمجتمعات الغربية، ومحبذة في أمريكا الجنوبية وأفريقيا وبقية أصقاع العالم، لكن حين يتعلق الأمر بالعالم العربي فلا بأس بأن تركل وتنحى جانبا وتذهب إلى الجحيم إن هي تعارضت مع مصالحنا وأتت بإسلاميين إلى السلطة. الشعوب العربية، لا تراهن بعد الله، إلا على إيمانها وإرادتها وقوتها وعلى تمسكها بالحرية والعدالة والحياة الكريمة. وتخطئ الأنظمة القمعية وحلفاؤها الغربيون، أن هم اعتقدوا أن هذه الشعوب يمكن إعادتها مجددا إلى القمقم.