لا أحد ينكر أهمية الإعلام منذ بدء الخليقة حتى الآن، كما أن لا أحد ينكر خطورته، لكن أكثر من أدرك أهمية الإعلام هم أولئك الذين أدركوا خطورته عليهم؛ اولئك الذين يقولون ما لا يفعلون، ويبدون ما لا يخفون، أولئك الذين يخشون اكتشاف الحقائق، وانكشاف اللصوص، وتعرية المنافقين، وتسليط الضوء على الفساد والمفسدين. ألا ترون أن مالكي الإعلام هم من الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال المتحالفين مع السلطة في الدول التي تقول إنها ليبرالية، وفي يد السلطة –رأس الفساد- في الدول التسلطية التي يجثوا فيها الحكام على صدور شعوبهم كي يتحكموا بأنفاسهم. الإعلام هو إعلاميون وصحفيون، ومن دون هؤلاء لا يوجد إعلام، لذلك كانت الخطة تقتضي أن لا يدخل هذا الميدان إلا من هو على شاكلة مالكي الإعلام من أشخاص وسلطات، ورغم بعض الاختراقات هنا وهناك، فقد استطاع هؤلاء أن ينشئوا جيشا من الإعلاميين والصحفيين للدفاع عنهم وستر عوراتهم وعيوبهم، وتمجيدهم ورفعهم إلى مصاف الآلهة أحيانا، والهجوم الكاسح على أعدائهم وخصومهم، وفي سبيل ذلك لا بد من ممارسة النفاق والخداع والتضليل والتزييف والتطبيل والتزمير لأصحاب النعمة مالكي وسائل الإعلام، وممارسة التشويه وقلب الحقائق والكذب والتدليس والقذف والسب لخصوم وأعداء أولياء نعمتهم. ندرك كل هذا ونحن نعمل في حقل الإعلام، وهو لعمري أسوأ حقل يمكن أن يعمل فيه إنسان شريف، ذو مبادئ لا يتلون ولا يتزلف، لكنها معركة قاسية على الشرفاء والحالمين بإعلام نزيه موضوعي خوضها حتى آخر رمق. «صحفيو العسكر» مصطلح جديد ينطبق على الآلة الإعلامية الضخمة التي تحركت بإشارة من «المايسترو»؛ لتمجيد خطوة عسكر مصر الذين اغتصبوا السلطة. تبارى صحفيو العسكر في مصر، وفي البلدان العربية التي تكره رياح الحرية أن تهب على شعوبها، في مباركة اغتصاب العسكر في مصر السلطة ووأد «الربيع العربي»، وتبارت في تبرير هذه الخطوة الماجدة! التي أعادت للأمة العربية أمجادها الضائعة! وتفنن هؤلاء في الهجوم والتشويه والسب والشتم والتدليس لكل وعلى كل من تسول له نفسه رفض إجهاض حلم الشعوب العربية بالحرية والانعتاق من الهيمنة والفساد والاستبداد. يأبى صحفيو العسكر إلا أن يمتعوا نواظرهم ب»نمرة بسطار» العسكر، لا بل إن بعضهم وفي سبيل تقديم أفضل الخدمات، يأبى إلا أن يطبع هذه النمرة على شفتيه؛ حتى تكون له جواز مرور «دبلوماسي»، وسبيلا للترقية لدى كل الانظمة العربية التي تعشق اضطهاد شعوبها.