الحقيقة التي لا مجال للشك فيها أنّ الوظيفة الأساسية لمهنة الصحافة والإعلام هي أنها تنقل ما يحدث أو تعقّب عليه أو توضّحه أو تكشف تفاصيله. الأكيد (في تعريف مفهوم الإعلام) أن هناك حدثاً قد وقع أو شيئاً جديداً غير مألوف ينهمك العاملون بوسائل الاعلام المختلفة في الانشغال به. وقد يكون من الطبيعي -بناء على ما سبق- أن المادة الخام لدى وسائل الاعلام في تسويق رسالاتها المختلفة هو الحدث. يختلف الكثيرون ربما في التعقيب على ما حدث أو توضيحه أو تفسيره، استناداً إلى الآراء المتفقة أحياناً أو المضادة أحياناً كثيرة. لكنّ الأبرز في التطورات الأخيرة في مصر أنّ القاعدة الأساسية انعكست بالفعل. فالمتتبع لكثير من وسائل الاعلام المصرية (وجّهت لها انتقادات كثيرة في تغطيتها للاحداث) يجد أن التغطية الاعلامية تسبق الحدث أو "تفبركه" . مصطلح "الفبركة" لم يعد غريباً علينا، فموقع ميدل ايست مونيتور أكد في سلسلة تقارير صدرت عنه إن "الاعلام المصري قام بفبركة أشرطة فيديو لشيطنة التيار الاسلامي". الموقع أثبت حديثه من خلال حدثين مهمين في تطورات الشأن المصري مؤخراً. الأول حادثة فيديو يظهر القاء صبية من قبل "اسلاميين متشددين" – كما روج الاعلام المصري آنذاك- من على أحد اسطح المنازل بالاسكندرية. الموقع خلص إلى نتيجة بعد تدقيق وتمحيص أنّه (أي الفيديو) أخرج بشكل هاو لمسرحية أطفال. أما الحادثة الثانية -وهي قد تكون الأهم- حين شكك الموقع بعدد الحشود التي خرجت في تظاهرات 30 يونيو المناهضة للرئيس محمد مرسي. وفي رده على ما قاله الاعلام المصري آنذاك بأن نحو 30 مليون شخص خرجوا للتظاهر قال الموقع "حتى إذا زدنا الأرقام، فإن عدد متظاهرين 30 يونيو لا يمكن أن يزيد عن بضع ملايين من الناس في البلد كله". أين تكمن خطورة ما كشفه موقع ميدل ايست مونيتور؟. تكمن الخطورة في ما يلي: أولاً: فقدان الضوابط المهنية والأخلاقية عند وسائل اعلام مصرية كان السبب في "فبركة" افلام فيديو لأحداث غير حقيقية أو وقائع صغيرة يتم تضخيمها من خلال وسائل مختلفة دون التحقق من صحتها أو التأكد منها. ثانيا: أن يكون مثل هذا السلوك (تزييف الحقائق وفبركتها) نهج دائم ومستمر تعتمد على استخدامه وسائل الاعلام في مصر لتحريض أو توجيه الرأي العام لخدمة قضية محددة. ثالثا: انعدام الثقة بين المواطن ووسائل الاعلام، وبذلك يجد المصري نفسه أمام اعلام لا يمثله ولا يعبر عن همومه ومشاكله. رابعاً: نقل عدوى الفبركة الاعلامية أو تزوير الحقائق من مصر لمناطق أخرى في العالم العربي ما قد يسبب مشاكل سياسية أو توترات أمنية. وبناء على ما سبق فإن مهنة الاعلام في مصر الآن في خطر، الأمر لا يتعلق فقط بالحفاظ على نظام سياسي ما للبقاء أو القضاء على نظام سياسي ما للزوال. الأمر يتعلق بأنّ هناك اعلاميين وصحفيين الآن يحاولون الدفاع عن وجهة نظرهم بأدوات اعلامية غير مشروعة في سبيل الحفاظ على ما يعتقدون أنه هو الصحيح والصواب. حتى لو كانت النتيجة القضاء على هيبة الاعلام المصري الذي كان ينظر إليه على أنه منارة أضاءت للكثيرين طريق المعرفة ليس في مصر فحسب انما في الدول العربية