يرفض كثیرون رؤية إمكانیة أن تكون معارضاً للإخوان المسلمین، ورافضا لفكرهم وسیاستھم وأسالیبھم، وفي الوقت ذاته رافضا لاستخدام الخیار الدموي معھم، وأن تحكّم عقلك، وتنشد الأدلة؛ فترفض ادّعاءات تورط "حماس" في الدم المصري. على أّن ما يحدث في مصر، والفرز الجاري للمواقف السیاسیة، يحطّم بعض الأساطیر والأفكار الرائجة أو التي تروّج، أول ما يسقط على وقع مجازر مصر، الحديث عن العلاقة بین الوهابیة والإسلام السیاسي المصري. فقد أراد كثیرون في الماضي تحمیل السعودية، وأحیاناً الخلیج العربي ككل، مسؤولیة المّد الإسلامي. والواقع أنه إذا كان الربط بین السعودية، ربما بشكل غیر مقصود، وبین سلوكیات ومظاهر انتشرت في المشرق العربي، من مثل العباءة السوداء رداًء للمرأة، فإّن علاقة الإسلام السیاسي بالسعودية أسطورة. ولا بد من التفريق بین أجنحة الإسلام السیاسي. فمثلا، إذا كانت السلفیة بفروعھا ربما لھا رابط ما بالسعودية، فإّن الفرز الحاصل في مصر يؤكد العداء بین "الإخوان" والسعودية، وأّن لیبرالیین وعلمانیین طالما تبنوا مقولة العلاقة بین الوهابیة والإسلام السیاسي والاجتماعي المسیّس بإطلاقه، لا يعارضون ضّم السلفیین الأشد تطرفا في رفض الآخر فكريّا، إلى التحالف ضد الإخوان. ثاني الأساطیر التي سقطت هي فكرة التحالف (التبعیة) بین أنظمة الخلیج العربیة وواشنطن. فإذا كانت السعودية والإمارات تبنتا سابقاً موقفاً غاضباً، ولكن مع قدر من الصمت، بشأن عدم حماية واشنطن لنظامي حسني مبارك وزين العابدين بن علي، فإّن الموقف الآن وصل حد التباين العلني، مع رفض الأمیركیین مباركة القضاء على الإخوان في مصر. ومن هنا شاهدنا اصطفافا سعوديا–إماراتیا (مع تأيید أردني وفلسطیني)، في موقف صريح التعارض مع واشنطن، مقابل اصطفاف قطري في المعسكر الإخواني. ولیس مستبعداً استمرار اتساع الفجوات بین السعودية والأمیركیین في بعض الملفات على الأقل، يرتبط بالأسطورة السابقة عن التّبعیة الخلیجیة، سقوط أسطورة مضادة، هي التباين بین الإسلامیین والأمیركیین. فرغّم أّن حالات تحالف بین الأمیركیین وإسلامیین كانت أحیاناً أكثر من صريحة، كما في حالة أفغانستان، وأقل من صريحة في مواجھة الاشتراكیین والیساريین العرب، فإّن الإسلام السیاسي، وخصوصاً الشق الَمسجدي منه (أي الخطابة)، قام على ترويج مقولة أّن "ملة الكفر واحدة"، والغرب معاٍد بالمطلق للإسلام، سواء أكان يساريا أم رأسمالیا. وهذه الأسطورة بدأت تتفكك بمجرد وصول الإسلامیین إلى الحكم في تونس ومصر، وتأكد سقوطھا الآن. ولكن يجب الحذر من تبني أسطورة لا تقل زيفا، تقول إّن التحالف دائم وسري ووثیق. على العكس، فالعلاقة براغماتیة؛ فیھا حالات لقاء وتقارب، وفیھا حالات تعارض وعداء. ومن أسباب موقف الأمیركیین الرافض لضرب الإخوان، صعوبة تأيید حالات عنف صريح كالتي ترتكب. وثانیا، لأّن هناك نظرية أمیركیة تقوم على أّن إدخال الإسلامیین العملیة السیاسیة يغیر من مواقفھم، ويجعلھم أكثر واقعیة ودبلوماسیة. وثالثا، لأّن الإسلامیین أنفسھم دعموا النظرية الأمیركیة السالفة، فحرصوا على عدم إثارة الغرب في العامین الأخیرين، وغیروا من خطابھم أو خفضوه في ملفات، منھا إسرائیل. من جھة ثانیة، أضاع هذا الھجوم العنیف الدموي على الإخوان فرصة مھمة لاختبار فرضیات كان يتبناها، وربما يتمناها، معارضون للإخوان. إحداها فرضیة أّن الإخوان لن يحترموا الديمقراطیة، وأنّھم يتبنون الديمقراطیة لمرة واحدة. كان ممكنا الاستمرار في التظاهر السلمي لحین فرض انتخابات جديدة، أو لحین الوصول إلى موعد انتخابات، لیكون الصندوق حكماً؛ فإذاَمنع الإسلامیون الصندوق، صّحت الثورة. الآن، أعطي الاسلامیون الذين يقولون إّن الديمقراطیة كذبة، سنداً. بینما الحديث حتى بداية هذا العام كان بأّن الإسلامیین يريدون استخدام الجیش والشرطة لضرب "شباب الثورة" (دفاعاً عن الشرعیة). فرضیة أخرى لم يُسمح بإتمام فحصھا، هي أّن الإخوان عاجزون عن الإدارة. إذ سیزعم إسلامیو مصر أنّھم لم يُمنحوا فرصة للحكم. فقد كان الموضوعیون من معارضي الإسلامیین يقولون إنه إذا نجحت تجربة الإسلامیین في التنمیة، تكون البلاد قد استفادت، وإذا فشلوا يكون الشارع قد حصل على فرصة تجربتھم.