أصدر القاضي المصري قراراً بحظر جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة مقراتها وأموالها، وهو القرار المتوقع صدوره بعد أن رفعت دعوى تطالب بحظر (الجماعة)، ورغم أن القرار صدر قضائياً إلا أننا لا يمكن أن نتجاهل ظلاله السياسية المباشرة وغير المباشرة، على الجماعة في مصر وخارجها. بداية أنا لست مع قرار حظر (الجماعة)، وكنت أفضل إمهال الجماعة بعض الوقت لتصويب أوضاعها القانونية وفق القانون الساري والجاري العمل به، ورغم خصومتي الواضحة لحكم الإخوان، وذلك لرفضي أي حكم يقوم على أساس ديني وليس مدنياً، إلا أنني أرى أن قرار (الحظر) سيؤدي إلى عملية إقصاء سياسي واستبعاد مجموعة كبيرة من المواطنين المصريين من المشاركة السياسية، والتمثيل السياسي. فمصر بعد ثورة 30 حزيران يجب أن تكون مختلفة عن الفترة التي سبقت الثورة، وأحد أشكال الاختلاف هو رفض عملية إقصاء أية مجموعة من العملية السياسية، فالقرار القضائي ب(حل الجماعة) لا يعني أن الإخوان صاروا بلا أتباع، بل يعني أن الدولة المصرية أجبرت المجموعات الإخوانية على العمل تحت الأرض وفي الظل، وهو ما يعني أن قيادات المرحلة القادمة من الإخوان المسلمين في مصر ستكون أقل انتماء للدولة وأكثر صلفاً معها ومع مؤسساتها، وسينتشر لدى فئة واسعة من الشباب الإخواني الخطاب الرافض للدولة المصرية، والكاره لكل ما تمثله ومن يمثلها، وهو ما يعني فتح بوابة العنف والإرهاب مرة أخرى. ففي عامي 2004 و2005 شهدت مصر حوادث إرهابية متفرقة في طابا وسيناء والقاهرة وشرم الشيخ وخليج نعمة، وراح ضحية هذه العمليات الإرهابية مجموعة من السياح، وتوقفت العمليات الإرهابية بعد الانتخابات المصرية لمجلس الشعب عام 2005 والتي حصل فيها الإخوان المسلمون على 88 مقعداً من أصل 444 مقعداً أي ما نسبته 20% تقريباً من مجموع المقاعد. وهذا يعطي مؤشراً أن عملية التعامل مع المجموعات السياسية التي تتخذ الدين غطاء لها يدفعها لتبني خطاب متشدد يصل حد التطرف، وهو ما ينتج جيلاً من الشباب لا يرى أمامه إلا الانتحار كي يصبح ملحوظاً على الخريطة السياسية للدولة، فتصبح حينها هذه المجموعات (السياسودينية) أسيرة لفكر الإقصاء والخطاب المتشدد الذي تبنته، وتصبح غير قادرة على تبني قراءة أقل شراسة أو حدة. كما أنه لا يمكن تصور وجود حوار مجتمعي وسياسي توافقي حول الدستور مع استبعاد وإقصاء ممثلين عن الجماعات (السياسودينية) وجماعة الإخوان المسلمين على رأس هذه الجماعات، وإلا فإن ما سيحصل هو عملية إقصاء مزدوجة سياسياً ودستورياً، وهي ما ستزيد شعور هذه الجماعة بالعزلة والطرد، وبالتالي ستزيد المشاعر السلبية لدى المنتسبين لهذه الجماعة. على العقلية السياسية المصرية أن تباشر بفتح خطوط اتصال مع شخصيات معتدلة من داخل جماعة الإخوان المسلمين لمحاولة إعادة تأسيس الجماعة قانونياً، فمحمود عزت الذي يقوم بمهام المرشد العام سيجد في قرار حظر (جماعة الإخوان المسلمين) فرصة حقيقية ليبرز كقائد في فترة محنة، مستعيناً بمخيلته وذاكرته عن مرحلة سيد قطب فهو من رفقاء الزنزانة مع سيد قطب، وهو كان ومازال المسؤول عن الجهاز الإستخباراتي الخاص ب(الجماعة)، وقد استطاع محمود عزت تشكيل بؤر تنظيمية إرهابية تضم عناصر تعتنق الفكر القطبي وتؤمن بالعنف كوسيلة لتغيير النظام القائم في مصر.