القائد الفعلي لما يسمى «كتائب عبد الله عزام» صالح القرعاوي معقتل لدى السعوديين منذ حزيران 2012. البيان المعلن حول «غزوة السفارة الإيرانية» في بيروت، قد لا يكون حقيقيا، وقد لا يكون اكثر من عملية تضليل امنية. قاتل القرعاوي في الفلوجة، وكان مقربا من ابي مصعب الزرقاوي، وسبق له ان اعتقل في سوريا وسلم الى السلطات السعودية التي افرجت عنه، وعاودت اعتقاله لاحقا. ويعتبر القرعاوي خروجه من المملكة مشابها لخروج النبي محمد من مكة ليعود اليها فاتحا، وله الكثير من الآراء في شؤون لبنان، باعتباره ساحة من ساحات «الجهاد»، سواء بالجيش اللبناني واهل السنة والشيعة و«حزب الله» والنفوذ السوري والاميركي والايراني فيه. ويعتقد بحسب رواية مواقع «جهادية» ان الامير محمد بن نايف هو الذي اوقعه في قبضة الامن قبل اكثر من عام. الامير الذي نجا قبل اربعة اعوام من هجوم انتحاري في قصره، يعتبر من «ابطال» مكافحة الارهاب في المملكة، وهو ربما لذلك – ولاسباب اخرى – يعتبر من اكثر الامراء السعوديين الذين يتمتعون بثقة الاميركيين، ما يضعه في تعارض واضح ان لم نقل بتصادم مع بندر بن سلطان، أمير الاستخبارات المنادي بقرع طبول الحرب على محور إيران، العراق، سوريا و«حزب الله»، والذي كانت له صولاته وجولاته في دوائر الحكم والامن والاعلام في واشنطن لسنوات طويلة. وما قد يساهم في تأجيج التصادم بين الاميرين، ان محمد بن نايف يوصف بانه من اكثر المحظوظين من ابناء الجيل الثاني لمؤسس المملكة عبد العزيز، لتولي الحكم مستقبلا. الدائرة الضيقة المحيطة بالملك عبد الله، ليست بالضيق المتصور في ظل وجود عدد كبير من امراء الجيل الثاني الذين يرون انفسهم الاكثر اهلية لتولي الحكم قريبا، مع اعتلال صحة الملك عبد الله وولي العهد الامير سلمان. لكن هذا الضيق او ذلك الاتساع، لا يمنع الانباء عن التباس التوجهات السعودية وتضاربها، سواء على صعيد السياسة الخارجية، او على صعيد موازين القوى داخل العائلة المالكة، ما يطرح تساؤلات جدية عن اولويات المملكة ازاء «جيرانها» بعد الاخفاق المدوي في سوريا وصدمة التقارب الايراني – الاميركي التي عبر عنها كل من الاميرين سعود الفيصل وبندر بن سلطان. وبهذا المعنى، هل يبعد بيان «غزوة السفارة الايرانية» الشبهة عن السعودية، او عن صقور الديوان الملكي، ام يجدد التذكير بمجموعة ملاحظات مثيرة تحتاج الى ما هو اكثر من مجرد توضيحات سعودية: ما هو حجم التمويل السعودي المباشر لتنظيمات «جهادية» في المنطقة؟ وهل يحظى ذلك بغطاء رسمي من الملك؟ وما هو تفسير التقارير التي تؤكد حدوث التقاء مصالح مريب وتعاون (وفق «الصانداي تايمز») مع اسرائيل؟ علما بان صحيفة «واشنطن تايمز» وصفت ما يجري ب«النوم في سرير واحد» بين السعوديين والاسرائيليين! من حدود سيستان بلوشستان مع «جند الله» و«جيش العدل»، مرورا بتنويعات «جهادية» تتحرش بالحوثيين في اليمن، وتكفّر العراقيين، وتستبيح دم السوريين، وتتغلل في مصر، وصولا الى تفجيرات لبنان، والتعبئة «الجهادية» الجارية علنا على شاشات التلفزة ومنابر المساجد وبيانات السياسيين المراهنين عبثا على سقوط دمشق، تبدو القصة اكبر من انتحاريين في بئر حسن، ورجالات القرعاوي وامثالهم، واخطر من مجرد غضب سعودي اسرائيلي على نكسة التفاهم النووي الوشيك مع الايرانيين، واحتمالات التسوية السورية... لكنها لا تقل بشاعة عن مشهد البربرية الزاحفة على عواصم الحضارات.