مجلس الأمن يعيد فرض العقوبات على إيران اعتبارًا من الأحد المقبل    ثورة 26 سبتمبر.. وعي مبكر ونضال متراكم أنهى حكم الإمامة    قبليون يتجهون إلى عدن ويمهلون السلطات 24 ساعة للقبض على قتلة الشيخ العقربي    خطاب الرئيس .. الرؤية الأكثر واقعية للحل.    وزارة الصناعة تعلن شطب وإلغاء (8781) وكالة وعلامة تجارية لمخالفتها القانونية    عدن.. وفاة شيخ قبلي متأثراً بجراحه بعد تعرضه لإطلاق نار    غدا .. منتخب الناشئين يختتم مشاركته في كأس الخليج بمواجهة عُمان    الوزير الزعوري يدشن مشروع الإغاثة المقدم من الكويت للمتضررين من السيول    اجتماع تشاوري بين "الشؤون الاجتماعية والعمل" و"التربية والتعليم" لمناقشة دعم ذوي الإعاقة    مؤسسة رياض الحروي تؤكد أن لاعلاقة لها بالجانب الفني والإداري لبطولة بيسان..    الرشيد وشباب المعافر.. نهائي مرتقب في بطولة بيسان    أبناء تعز يتحشدون في 94 مسيرة استمرارا في الجهاد والثبات في نصرة غزة    الدكتور عبدالله العليمي: خطر الحوثي يتجاوز اليمن ويهدد الأمن الدولي    في 2007 كان الجنوب يعاني من صراع القيادات.. اليوم أنتقل العلة إلى اليمن    المقاتلون يتخطون مرحلة الميزان استعداداً لنصف نهائي بطولة PFL MENA في الرياض    موعد مباراة برينتفورد ومانشستر يونايتد في الدوري الإنجليزي    انطلاق المعرض السعودي للأزياء والنسيج في جدة عروس البحر الأحمر    واحدية النضال اليمني.. كيف مهدت ثورة 26 سبتمبر الطريق لأحرار 14 أكتوبر    صنعاء: العدو استهدف 5 حارات مسجلة ب"التراث العالمي" .. اسماء    السفارة اليمنية في ماليزيا تحيي ذكرى الثورة اليمنية ال63 لسبتمبر وال62 لأكتوبر    مجلس النواب يستهجن الصمت الدولي والعربي تجاه العدوان على صنعاء    الرئيس الزُبيدي في جلسة حوارية بجامعة كولومبيا: لا سلام في اليمن دون حل الدولتين وضمان حق الجنوب في تقرير المصير    حزام يافع يلقي القبض على قاتل صهره بعد ساعة من ارتكاب الجريمة    من ضمن جرائم الحوثي: بعد ست سنوات من الاسر وجد في احدا ثلاجات مليشيا الحوثي    الزبيدي يؤكد التوجه نحو التطبيع والسقلدي يعتبره استفزازًا لكل العرب والمسلمين    القهوة تساعد على تخفيف الصداع.. كيف تتناولها لحصد الفائدة    بوسكيتس لاعب وسط برشلونة السابق سيعتزل بنهاية الموسم في الدوري الأمريكي    أسطول مساعدات غزة يتجه شرقًا من اليونان رغم التحذيرات الإسرائيلية    حريق في مصنع ملابس بمصر ووفاة 8    برشلونة يعاقب أوفييدو بثلاثية    ترامب يعلن فرض رسوم جمركية جديدة بداية أكتوبر    المنحة السعودية مربوطة بتحقيق الإصلاحات والحوكمة الرشيدة    صرف النصف الثاني من معاش إبريل 2021 للمتقاعدين المدنيين    الفريق السامعي يدين العدوان الصهيوني على العاصمة صنعاء    المفوضية الأوروبية تعلن عن مساعدات عاجلة لليمن    عدن.. نقطة أمنية تعتقل محامي    ضابط استخبارات يستولي على مستشفى خيري ويحوله إلى سجن    الرئيس الزُبيدي يُعزي حاكم الشارقة في وفاة الشيخ سلطان بن خالد القاسمي    مصادر البروتينات النباتية.. تَعَرف عليها ؟    بدء صرف نصف معاش ابريل 2021 للمتقاعدين    إتلاف 62 طن من المواد الغذائية منتهية الصلاحية في العاصمة    الداؤودي: استمرار حملة التفتيش لضبط المواد الغذائية الفاسدة بالمنصورة    محافظ حضرموت يتفقد أعمال تطوير منشأة غاز بروم    الشاي وصحتك.. 3 أكواب كافية لصنع الفرق    راتب محافظ المركزي المعبقي أعلى من راتب رئيس أمريكا    شرطة تعز تعلن ضبط أحد المطلوبين أمنيا وتواصل ملاحقة آخرين    صنعاء... الحصن المنيع    "جيل الشاشات".. كيف خطفت الهواتف تركيز الطلاب؟ وهل يمكن استعادته؟    العاقل يبحث خطط تطوير المكاتب الإعلامية في العاصمة و3 محافظات    عمار المعلم .. صوت الوطن وروح الثقافة    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يبحث مع مركز اللغة المهرية آفاق التعاون المشترك    المساوى يدّشن مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء    القسام تدعو لركعتين (ليلة الجمعة) بنية الفرج لمرابطي غزة    نائب وزير المياه يبحث ترتيبات إحياء يوم اللغة المهرية    إلى أرواح أبنائي الشهيدين    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    في محراب النفس المترعة..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علياء أيقونة الثورة
نشر في الخبر يوم 23 - 12 - 2013

حين وقفت علياء المهدي أمام عدستها الرقمية بعينين زائغتين عارية من كل شيء إلا جورب شفاف وحذاء مدرسي، لم تكن تعلم أنها على موعد مع الشهرة والنجومية، وأن صورتها وسيرتها ستصبحان محلا لجدل كوني وصراع لا ينتهي بين طرفي الخريطة، وأنها ستتحول بعد سنوات إلى طوطم لثورة خرجت على كل شيء ولم تعد على الثائرين بأي شيء، اللهم إلا السجن والملاحقة.
ولدت متمردة هليوبوليس في أسرة محافظة، وإن لم تكن متدينة. فوالدها، ضابط الجيش وأمها صاحبة المكتبة لم يترافقا ذات يوم لأداء الصلاة في أي مسجد قريب. لكنهما ظلا يمارسان قمع مراهقتها بشتى وسائل الخوف، حتى لجأ والدها إلى ما يشبه الرمح في تقويم ما اعوج من أنوثتها المتفجرة ذات يوم – أو هكذا تدعي علياء. كان الرجل يسخر من قصر قامتها ويسحق جسدها النحيل بكل ما أوتي من غيظ وزوجته من خلفه تقول: "اضربها، ولكن لا تؤذها." وكانت الفتاة تصرخ تحت وقع لكماته الغليظة دون أن يرق لها فؤاد أم.
أصر والدا علياء أن لا تخرج من البيت إلا بحجاب، ومنعاها من وضع أحمر الشفاة وارتداء الملابس الضيقة. وفي سن مبكرة، منعت علياء من الخروج بعد عودتها من المدرسة، وقام والدها بتغيير أقفال الأبواب أكثر من مرة للحفاظ على غشاء بكارتها. وفي الثالثة عشر من عمرها، اخترعت علياء دروسا وهمية لتجد مبررا للخروج من حصار والديها. وحين أخبرتها أمها أنها تريد فحص بكارتها، أشهرت سكينا في وجهها وطالبتها بالخروج. وحين أغلقت الفتاة باب غرفتها، وضعت كاميرتها فوق كومة من ثياب وخلعت كامل ثيابها إلا الجورب والحذاء، لتلتقط لجسدها النحيل صورا مخجلة.
ومرت الأيام، ونسيت الفتاة صورها بين ملفاتها الكثيرة المعقدة. وبعد أسابيع قليلة، استأذنت إحدى المحاضِرات لتخرج من جامعتها الأمريكية وفوق ظهرها حقيبة مفخخة ببعض الثياب. قررت علياء وهي تسير بمحاذاة النيل يومها أن تقطع علاقتها بتاريخها القديم وتفتح ذراعيها للمجهول. وبعد أيام من رفقة أنثوية، وجدت الفتاة رفيقا من الجنس الآخر يشاطرها التمرد والبؤس.
وعندما قامت الثورة، فتحت علياء درج ملفاتها الإلكترونية، وانتقت منها ما اعتبرته أفضل صورها العارية، فقامت بنشرها على موقعها على الفيس بوك. وهناك وجدت علياء رقيبا إلكترونيا من غير بني جلدتها، فاضطرت إلى وضع صورها المحذوفة على مدونتها الخاصة. كانت الثورة رياح تمرد عاتية، ووجدت البائسة متنفسا لإحباطاتها المتوالية في ميدان التحرير، فقامت برفع اللافتات مع الثوار، وهتفت بملء حنجرتها: "اعتصام .. اعتصام .. حتى يسقط النظام."
لكن النظام الذي أرادت له علياء وأخواتها أن يسقط لم يسقط، وسرعان ما غادرت الفتاة ميدان التحرير وهي تلتفت خلفها هربا أمام صيحات قواه الثورية، لتعود إلى مرتع رذيلتها النائي. لكن خطواتها الصغيرة لم تبعدها كثيرا عن الأعين المتربصة، واضطرت الشابة المتمردة إلى الهروب بجسدها إلى السويد بعد توارد عدد من رسائل التهديد إلى بريدها الإلكتروني، وليلة قضتها راغمة في سرير شابين سرقا قطتها وما تبقى من براءتها بعد تهديدها بسلاح قامت عن وعي برفعه على مدونتها الشهيرة.
وأصبح موقع الفتاة محجا للعابثين والمتطفلين وأصحاب العفة المصطنعة ليحقق في أيام معدودات أعلى معدلات للزيارة. وخلطت الصحف الغربية حبل التمرد بنابل الثورة، وأشهرت كبريات الصحف في أوربا أسنة أقلامها مطالبة بتحرير المصريات من أسر التخلف والرجعية التي تشربها المصريون من قرآنهم، وتطاول بعضهم على قيم المسلمين ومعتقداتهم. وتعامل رسامو الكاريكاتور مع جسد الفتاة على أنه أيقونة ثورة، فدافعوا عن أثدائها العارية تحت مسميات شتى.
وحين ملأت صور فتاة هليوبوليس العارية صفحات الجرائد والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي، خشي بعض الطيبين على فتياتهم، وثار بعضهم لمصريته، فطالبوا بإسقاط الجنسية عن الفتاة المتبجحة، وتقدم البعض ببلاغات عدة إلى النائب العام، لكنها لم تلق ما تستحق من اهتمام. وظلت الفتاة حبيسة مسكنها الريفي أشهرا، لا تفتح بابا ولا ترفع ستائرا حتى تلقفت جسدها النحيل منظمة فيمين، وأشركتها في مظاهرات عارية ضد الشريعة، ويومها وقفت الفتاة في مشاهد فاضحة أمام كاميرات عدة واضعة القرآن فوق عوراتها التي لم تعد مصدرا للإغواء بعد تداول صورها المبتذلة.
وهكذا تحول التمرد على تصرفات والدها القمعية داخل بيت يغير أقفاله كل حين إلى تمرد على الحاكم باعتباره مصدرا للقمع، ليمتد في النهاية إلى جرأة على الخالق والدين تحت مسميات شتى. ولعل ما جمع بين علياء والكثيرين من رواد التحرير حالة تمرد على واقع مزر تعددت سوءاته، فلكل ثائر قصة قد لاتشبه في تفاصيلها قصة علياء، لكنها تلتقي معها في سبب واحد وهو القمع، وتلتقي معها تحت غاية واحدة: التمرد.
ولأن التمرد المطلق فساد مطلق، لم تحقق صور علياء ولا الأيدي المرفوعة ضد الطغيان في كافة الميادين أي هدف يرتجى، وللسبب عينه، فتحت الميادين أبوابها بعد أشهر من الصهيل لوجوه كثيراما ثارت ضدها وتمردت عليها. ولأن العناد يورث الغاضبين الحمق، ولأن علياء ورفاق تمردها لم يحددوا عين ثور يصوبوا نحوها سهام غضبهم، سقطت علياء وسقطت الثورة. ولأن ثورتنا صنيعة تمرد وصهيل غضب، استطاع المغرضون أن يحولوها عن مسارها ليتاجروا بالدين تارة أو ليضعوا كتبه المقدسة فوق عوراتهم المكشوفة أخرى، وهكذا تحول الصراع ضد الظلم إلى صراع أجساد لا صراع أفكار وقيم، وتحولت الثورة إلى جسد هزيل يكشف أسوأ ما فيه تحت دعاوى التمرد. وما الانتكاسات التي تعرضت لها الثورة إلا انتكاسات مستحقة لشباب أرادوا أن يتمردوا على الظلم فخلعوا مروءتهم أمام الكاميرات ليصبحوا أضحوكة وأمثولة بائسة تغطي على فساد اجتماعي كبير. مشكلتنا مع الميادين أنها تحولت من الحرب ضد الفساد إلى حرب مع الفساد، ومن رغبة عارمة في تعرية المفسدين إلى رغبة مقززة في التعري أمام عالم لا يستر عورة ولا يغض بصرا عن أجساد فتية آمنوا بالثورة ثم كفروا بها وباعوا أجسادهم وعقولهم لشيطان الشهرة والمنظمات الفاسدة. واليوم ترقد الميادين فوق حلمها القديم تمنى أرصفتها بثورة أكثر رشدا تنتصر للبسطاء دون أن تتاجر بعوراتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.