كنت نصحت القارئ الأسبوع الماضي بالعزوف عن قراءة الصحف ريثما ينتهي الشهر الكريم، لأن بعض ما يكتب وتنشره الصحف اليمنية يسلب من الصائم أحياناً شيئاً من إيمانه وبعض قدرته على المغفرة والتسامح. والقارئ لن يخسر شيئاً، وإن كان يعتقد أنه يخسر بتركه قراءة الصحف فهو لديه 11 شهراً متبقياً من السنة لتعويض ذلك. وفي تقديري أن الكاتب الذي ينصح القارئ بالتوقف عن القراءة، لابد أن يبدأ بنفسه ويتوقف عن الكتابة، وقد أردت ذلك، غير أن الدكتور سلمان العودة لم يساعدني على تجنب الكتابة لهذا الأسبوع، لأني أعتقد أن الكثير من الذي أريد توصيله للقارئ في العديد من القضايا يمكن الاستماع إليه وبطريقه أفضل من هذا الرجل، ولو أردت اختصار هذا المقال بجملة واحدة لاكتفيت بكتابة التالي: "شاهدوا برنامج حجر الزاوية المعروض يومياً على قناة mbc قبل المغرب".
يمكن للقارئ أن يتوقف هنا، ويذهب إلى الصفحة الثانية في الجريدة أو يذهب لمشاهدة البرنامج للمرة الأولى أو كعادته، ثم يتفق مع ما يطرحه الشيخ سلمان العودة أو يختلف معه، لكني أظن أن مسألة الاختلاف أو الاتفاق، ليست كل القصة في هذا البرنامج.
شخصياً لم أكن أعرف الكثير عن الشيخ سلمان العودة سوى أنه أحد رجال الدين السعوديين الذين يميلون إلى التطرف في مواقفهم وفتاواهم الدينية، كان ذلك قبل سنوات ثم سمعنا أنه أدخل السجن وقضى فيه 5 سنوات، لكن الرجل الذي خرج من السجن لم يكن هو نفسه الذي دخله، تغيرت كثير من قناعات الرجل وتوجهاته، وبدا في الحوارات التلفزيونية التي أجريت معه ، أو في البرامج التي قدمها عبر القنوات التلفزيونية في "قطر" أو "اقرأ" أو "المجد" هدفاً للنقد والشتم من زملائه الذين رافقوه قبل السجن، ثم اكتشفوا أن صاحبهم لم يعد كما كان بعد خروجه.
الظهور الكبير والمستمر للشيخ سلمان العودة كان عبر البرنامج الأسبوعي "الحياة كلمة" على قناة mbc منذ 6 أعوام تقريباً، وحاز عدة جوائز باعتباره من أفضل البرامج الحوارية في الوطن العربي، وخلال هذه الفترة كان العودة مع مقدم البرنامج فهد السعوي يقدمان برنامجاً يومياً خلال شهر رمضان بعنوان "حجر الزاوية".
منذ أن بدأت أتابع برنامج الحياة كلمة، وأنا معجب بطريقة العرض والأسلوب الذي يقدم به الشيخ العودة أفكاره ورؤاه وفتاواه أيضاً، لكن الأهم بالنسبة لي في كل مرة أنظر فيها إلى الرجل وأستمع إلى ما يقوله هي التحولات التي شهدتها هذه الشخصية، وكيف أنها من زاوية ما قد تكشف لنا تغيراً كبيراً في بنية وأسلوب الخطاب الديني الذي عرفناه قادماً من الجارة السعودية.
خلال الفترة الماضية سمعنا ببعض السعوديين الذي انتقلوا من تيار ديني متشدد إلى آخر معتدل أو منفتح، من بينهم مشاري الذايدي الذي يكتب حالياً في صحيفة "الشرق الأوسط" ومنصور النقيدان الذي يكتب في صحيفة "الرياض"، هذا الأخير الذي يتحدث في آخر عمود صحفي له عن الموسيقى بوصفها غذاء للروح كان وأصحابه يحرمون الكهرباء والسيارة، وقاموا بإحراق جمعيات نسائية، على أساس معتقدات دينية كانوا يؤمنون بها.
الشيخ سلمان العودة له فتاوى سابقة تتهم القناة التي يبث منها برنامجه الشهير بالفسوق والانحطاط، وله فتاوى أخرى متطرفة، أما اليوم وأنت تسمعه وهو يستشهد بشعر نزار قباني، وينصح القارئ بكتاب لمؤلف غربي، ويصدر فتاوى تثير في العادة جدلاً لا ينتهي في الأوساط الدينية السعودية، ومن المواقف التي أعلنت عن التغيير الذي شهده إدانته بعد خروجه من السجن أحداث 11 سبتمبر، وهو ما شكل صدمة للذين تطرفوا على يديه أصلاً في النصف الأول من التسعينات.
يمكن قول الكثير عن هذا الرجل الذي يثير جدلاً واسعاً، وأغلب منتقدوه هم من رجال الدين المتشددين في السعودية أو من يعيبون عليه أنه يتحدث في كل شيء، دون أن يكون لديه العلم الكافي في بعض المواضيع التي يناقشها. ورأيي أن الرجل يحاول أن يكون له دور ما في عمليات التغيير التي تجري داخل المملكة على وجه الخصوص، بمعنى استثمار شعبيته العالية في المملكة والمنطقة في دفع الناس إلى التفكير المعتدل خصوصاً لجهة الوسطية في فهم الشريعة والنصوص الإسلامية، وهو متحمس لتلك العملية، ولذلك جاء عنوان برنامجه الرمضاني هذه السنة "حجر الزاوية" بعنوان "التغيير" وقال إنه قرأ نحو 140 كتاباً عن التغيير استعداداً لحلقات رمضان.
لا ننسى أن أبرز التهم التي قادت الشيخ العودة إلى السجن هي التحريض على عصيان ولي الأمر، فقد كان من المنتقدين لآل سعود وطريقتهم في الحكم، وعندما سأله محرر مجلة نيويورك تايمز عن وجهة نظره في نظام الحكم في السعودية عقب خروجه من السجن قال: اعتقد أننا بحاجة لمراقبة أكثر صرامة على المال العام، وكيفية إنفاقه وإتاحة الوسائل والسبل للناس للتعبير عن آرائهم وإتاحة الفرص لهؤلاء المهتمين بصدق بشؤون هذا البلد، للدخول في حوارات هادفة ومثمرة، كل هذه الأشياء من شأنها أن تعزز استقراراً أكثر".
أضيف شيئاً آخر، أنا من المعجبين بهذا الرجل، وهذا رأيي الشخصي، فأنا أحاول أن أسمع لما يقوله بدون أية محاولات للدخول إلى صدره واكتشاف نياته وتوجهاته، يكفي أن هذا الرجل يقول كلاماً مرتباً ومدروساً ، بأسلوب حديث وجذاب أستطيع معه الاستفادة منه، وهو ما لم نتعوده من مشايخ الدين إلا القليل منهم.
أرجو أن يطلع القارئ على بعض حلقات "حجر الزاوية" خصوصاً عندما يدور الحوار حول التغيير، وأن يستفيد منها، وإن أعجبه ما يقوله هذا الرجل يمكن متابعته في برنامج "الحياة كلمة" عقب الشهر الفضيل، ولمعلومات القارئ وبحسب تصريحات قناة mbc فإن الشيخ سلمان العودة لا يتقاضى أجراً على تقديمه تلك الحلقات. المصدر أونلاين