"هل أعلن الشيخ سلمان العودة تشجيعه لنادي النصر؟". هذا هو السؤال الذي شغل بال جماهير فريق نادي الهلال السعودي بعد أن قرأوا أن رجل الدين الشهير قد حضر ليلة نصراوية دعا فيها للفريق الأصفر بالفوز في مباراته المقبلة ضد فريقهم، في جدل يشابه الجدل الذي لا تزال تثيره قصة إسلام مغني البوب الأميركي مايكل جاكسون. ولا يستغرب أن تلجأ أندية أخرى إلى أستقطاب شيوخ الصحوة الآخرين للدعاء لهم بالفوز على منافسيهم، وربما يصل الأمر إلى حد تطبيق الرقية الشرعية على مرمى الفريق الخصم للتأكد من خلوه من الشعوذة التي يتهم بها الفريق المنتصر عادة لأنه إستعان بقوى خارقة للطبيعة، على حد ما يقوله معلقون ساخرون في مواقع إلكترونية. ويبدو أن المزاج في الأوساط السعودية قد بلغ نقطة تحول بما أن أفرادها، الذين يتسمون عادة بالمداهنة في ما يتعلق بالحديث عن رجال الدين، أصبحوا يعبرون عن أنتقاداتهم علنًا لمشايخهم مما يمهد إلى "خلع بنطلونات القداسة ودشاديشها عنهم" حسب ما يقول صحافي سعودي يتابع الأخبار الأصولية، إذ يؤكد أن هذا التمرد جاء بسبب "تلبرل (ليبرالية) الصحوة وتخبطها ولجوئها إلى المعمعة". وصبغ الخطاب الصحوي المملكة السعودية بلونه على امتداد عقدين من الزمن بدأت مع بواكير ثمانينات القرن المنصرم إلى أن جائت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وفتحت الباب على مصراعيه أمام إعادة جردة للفكر الصحوي وتقييمه من جديد، الأمر الذي حمل المشايخ الذين كانوا نجوم التطرف الصحوي في وقت مضى على مراجعة أنفسهم.
بيد أن السؤال الذي لا يحب المتحولون الإجابة عنه في العلن هو "لماذا تغيرتم؟". وفي برنامجه التلفزيوني الشهير على محطة (أم.بي.سي) يعرف العاملون في الأستوديو اللحظة التي يصاب فيها نجم الصحوة المعروف الشيخ سلمان العودة، الذي أصبح يمثل صوتًا أقرب إلى الليبرالية المتأسلمة، بالتوتر من سؤال أحد المتصلين. إن تلك اللحظة هي حينما يبدأ بضم الأوراق بين يديه دون هدف والإنشغال بها، بينما يجيب بتلعثم عن السؤال المربك الذي واجهه يومًا من الأيام في برنامجه الشهير "حجر الزاوية". وعلى الرغم من ذلك، فإنه لم يجب إجابة مباشرة خصوصًا وأن تحوله من التطرف إلى الإعتدال لم يسحب معه كل طلبته ومريديه الذين جمعهم على مدار عقدين من الزمن، وبدلاً من ذلك فضلوا الإلتجاء إلى عناصر متطرفة أخرى كي يتم إكمال المشوار معها ما تسبب في تصدع جدران المعسكر الأصولي، ونقله إلى "فوضى التطرف" على حد تعبير مراقبين. والعودة يمكن أن يكون قصة الصحوة كلها وإلى أي مدى وصلت إليه تجربتها؛ فقد كان علامة فارقة في تاريخ الصحوة لدرجة كان فيها إسمه رديفًا للأسطورة، وكان يُكتب في مصاعد الجامعات، وعلى طاولات قاعات المحاضرات في جامعة "الإمام"، وهي المقر الرئيس الذي يلجأ إليه متدينو المنطقة الوسط لتكثيف علومهم الشرعية. وبعد سنوات متعددة من البحث والسجن والمطاردة أكتشف العودة أن هنالك عالمًا آخر يجب الإلتفات إليه. ونتيجة لذلك البحث قرر العودة أن يلحق بقطار العمر، فأصبح مداومًا على زيارة "نوتنغهام" شمال إنكلترا حيث الغرب وقصص روبن هود، وعلى قراءة كتب تطوير الذات، وإنشاء مواقع إلكترونية ومجلات إسلامية، مستفيدًا من مئات الملايين التي وضعت تحت تصرفه من قبل متبرعين يريدون حماية الإسلام من المتطرفين. وحسب ما جمعته "إيلاف" من أحاديث ليست للنشر قام بها مسؤولون وصحافيون مع عدد من شيوخ الصحوة فإن النظرة تشي بأنهم "غادروا مرافئ التطرف إلى لا مرافئ" حسب ما يقول متخصص في شؤون الجماعات الإسلامية لم يحبذ فكرة ذكر أسمه، لكنه أشار إلى حالة "الغرق في سحر الشهرة" التي يعيشها شيوخ التطرف السابقون. وفي جعبة العودة الكثير من الجدل إن أفصح عن ما يقوله من الفتاوى الدينية في غياب أجهزة التسجيل، إذ حسب المعلومات المتوفرة، فإنه قال لأحد مستفتيه أن تخفيف شعر اللحية إلى حد حلاقتها أمر جائز لكنه لا يستطيع البوح بذلك خوفاً من تبعاته وتأثيراته على العامة. وهذه بالتأكيد لن تكون فتواه لو عاد به الزمن إلى الوراء عشرين عامًا. ويقول مراقبون أن سحر الشهرة التلفزيونية أوقع شيوخ الصحوة في حيرة بين كسب الجمهور أو التعبير عن الإسلام الصحيح حتى لو أفقدهم ذلك قاعدتهم الجماهيرية، مما جعلهم يناقضون أنفسهم وفتاواهم وأفكارهم حتى وإن جاء ذلك على هيئة مراجعة للذات. ويمكن أن يكون ذلك هو السبب الذي جعل نجمًا صحويًا آخر وهو عائض القرني أن يكتب مقالات متعددة ممتدحًا فيها عاصمة النور باريس بعد أكثر من عقدين من إصداره شريط كاسيت انتقد فيه أميركا التي زارها بغية إجراء محاضرات دينية للجاليات المسلمة التي تقيم في تلك القارة البعيدة. وقبل ذلك، قال القرني في فيلم وثائقي أسمه "نساء بلا ظل" للمخرجة السينمائية هيفاء المنصور أن كشف الوجه ليس حرامًا، ليتراجع بعدها عن الفتوى التي حركت الشارع الأصولي وأربكته بعد إتصالات من رفاق الدرب الذين يفضلون عدم إرباك عقيدة طلابهم على الرغم من أنهم يعرفون في دواخلهم أن هنالك العديد من المحضورات لا دليلاً شرعيًا على تحريمها. كما أنه لم يتردد في حضور جلسة مختلطة من الجنسين في مجلس الشيخة منى الدوسري أم الشيخ سلطان بن سحيم أبن عم أمير قطر، وهو شخصية شابة طموحة دعمت العديد من الجوائز الهادفة إلى خدمة الإسلام وتطوير الحس الديني لدى شبان الخليج. وفي جلسة حضرها وزير الشؤون الإسلامية أدار القرني نقاشًا حول لبس "العقال" الذي قال أنه "ليس حراماً" كما يذهب إليه أغلب رجال الدين في السعودية، متمنياً "أن يبدأ الوزير بلبسه كي يتبعوه" على حد مصدر مطلع، إضافة إلى رصده جائزة تقدر بمليون ريال يتم تقديمها لمن يتمكن من مجاراة إحدى قصائده. أما شيخ الصحوة الوسيم الشيخ محمد العريفي فلم يمانع أن يظهر في قناة تلفزيونية لبنانية هي "أل.بي.سي" التي لا يشاهدها الليبراليون إلا تلصصاً، فضلاً عن أنه سخر من ذوي البشرة السوداء في إحدى محاضرته، في تصرف يعد بنظر الغرب والشعوب المتحضرة جريمة لا تمر مرور الكرام. ولم يتوقف العريفي عند هذا الحد فقد أعلن في مبادرة تلفزيونية تشبه مبادرة السادات، بأنه سوف يزور إسرائيل لتصوير حلقة عن القدس، ليتراجع بعد أن تفاجأ بردود الفعل الغاضبة من متدينيين ومسؤولين أعتبروا ذلك تمرداً على خط الدولة الرسمي. أما أحدث فصول هذه التصدعات في معسكر الأصوليين فهي معركة الشيخ أحمد الغامدي مع أهله وذويه وزملاء مدرسته من منسوبي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي يدير فرعها في منطقة مكةالمكرمة، مهد الإسلام، حينما قال في العلن ما يعرفونه في السر من أن لا شيء يحرم لقاء المرأة والرجل في مكان عام. ويقول صحافي عربي رفض ذكر أسمه: "لقد فقدوا مصداقيتهم ولم يعد لهم تأثير في الشارع. كنا نتمنى أن نراهم نماذج معتدلة لكن ميلهم إلى المفرقعات الإعلامية والاسترتبتيز التلفزيوني والتجارة والأموال أفقدهم صورة رجل الدين الزاهد المهيب الذي يطالب بالعدل وبالإسلام المتسامح دون تفريط أو تطرف وهي الصفات التي يفتقدها السعوديون". ويضيف قائلاً بعد أن أشترط عدم ذكر أسمه خوفًا من ردود الفعل:"الحقيقة المطلوب تحريرهم من المنابر ونزع رداء الهيبة عنهم. سحر الشهرة واختراعات الملاحدة تشجعهم على هذا الاستربتيز المنشط والمهيج والمثير الذي سينتهي إلى أن يعودوا إلى صورتهم الحقيقية وهي أن ليس لديهم أي قيمة تذكر وليسوا مؤهلين لقيادة الشارع. إنني أشفق على طلبتهم الذين أنفقوا عشرين عامًا من التحريض على المجتمع ليكتشفوا سماحة الإسلام بعد فاتورة باهظة من الارهاب والتكفير". ويمكن أن تكون القراءة المتأنية لتاريخ نجوم الصحوة خير رسالة إلى الأجيال الجديدة في المملكة السعودية لأختيار الطريق الصحيح "بدلاً من الغرق في تجارب الآخرين وانتاج جيل من أيتام الإرهاب ورجيع الصحوة" كما يقول الكاتب السعودي أحمد العرفج.