منذ "إتفاق فبراير" 2009م لم يتحدث أحد في السلطة، لا الرئيس ولا أشد المتطرفين في المؤتمر عن إجراء الانتخابات باللجنة العليا الحالية التي يختلفون مع المشترك على شرعيتها منذ تشكيلها بشكل منفرد في أغسطس 2008. حتى في أعتى مراحل الخلاف كان المؤتمريون يتحدثون عن تنفيذ إتفاق فبراير ولو بشكل منفرد بإقرار مشروع تعديل قانون الإنتخابات وإعادة تشكيل اللجنة، للذهاب لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد.
تحريك اللجنة الآن والحديث عن إقرارها للجدول الزمني لمراجعة جداول الناخبين في أكتوبر، أمر جديد وغير مسبوق منذ فبراير،.. مالذي إستجد الآن؟!.. في الخبر الذي نشرته صحيفة الحزب الحاكم "الميثاق" الأثنين الماضي عن القضايا التي يرغب المؤتمريون في إدراجها على جدول لجنة الحوار المشتركة للتهيئة والإعداد للحوار الوطني.. يتضح ذلك الهدف جليا.
فالمؤتمريون يرغبون إضافة إلى الحوار على الإصلاحات على النظامين السياسي والإنتخابي، بإدراج موضوع " قانون الانتخابات و تشكيل اللجنة العليا للإنتخابات لإنجازهما بأقصى سرعة بما يضمن إجراء الإستفتاء على التعديلات الدستورية مع إجراء الانتخابات النيابية المحددة في إبريل القادم" بحسب نص الخبر.
في هذا الخبر يتضح الكثير.. ويبدو واضحا الهدف من تحريك ورقة اللجنة العليا للانتخابات في هذا الوقت للضغط على أعضاء المشترك في اللجنة المصغرة المنبثقة عن لجنة الحوار المشتركة للقبول بإدراج موضوعي "قانون الانتخابات وتشكيل اللجنة العليا" على جدول التهيئة والإعداد للحوار الوطني.
يبدو أن المؤتمر قرر إعادة توجيه ورقة الانتخابات باتجاه "لجنة الحوار" بدلا عن البرلمان كما كان باديا في تصريح الدكتور الإرياني عن إقتصار "إتفاق يوليو" على البند الأول في إتفاق فبراير (إتاحة الفرصة للأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني لمناقشة التعديلات الدستورية اللازمة لتطوير النظام السياسي والنظام الانتخابي بما في ذلك القائمة النسبية) والذي حرص على تنصيصه في الإتفاق الأخير الذي بموجبه شكلت اللجنة المشتركة، وأن البندين الثاني والثالث الانتخابيين " تعديل قانون الانتخابات، وتشكيل اللجنة العليا" سيتم معالجتهما في البرلمان.
أكدت مصادر مؤتمرية أن ممثلي المؤتمر في اللجنة المصغرة للحوار سيقدمون تصورا بذلك في أول إجتماع للجنة، التي لم يلتئم شملها حتى الآن، في مقابل تصور آخر لممثلي المشترك للخروج بتصور واحد للتهيئة والإعداد للحوار الوطني الشامل". ناطق المشترك الدكتور محمد صالح القباطي قال:إنهم تنبهوا جيدا لما جاء في خبر "الميثاق"، إلا أنهم في المشترك وشركائهم وومثليهم في اللجنة المشتركة للحوار واللجنة المصغرة المنبثقة عنها ملتزمون بما جاء في بنود الإتفاق فقط، وغير معنيين بشيئ آخر.
وقال إنهم سيقدومن تصورا لتنفيذ ما تبقى من بنود الإتفاق وتنفيذها أولا بأول، وهي البند الرابع (يستحضر الطرفان الى جانب ما ورد اعلاه قائمة اخرى بأسماء الأحزاب والقوى والفعاليات السياسية والاجتماعية والوطنية ومنظمات المجتمع المدني التي سيتم الاتصال بها والتشاور معها من قبل لجنة الاعداد والتهيئة للحوار وضم كل من يقبل بفكرة الحوار الوطني الى قوام اللجنة بنفس المعايير التي يتم بها تشكيل اللجنة من حيث العدد والتمثيل)، والبند الخامس (استكمال التشاور مع بقية الأحزاب والقوى السياسية والفعاليات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني الراغبة للانضمام للحوار الوطني دونما استثناء )،والبند السادس (اعداد البرنامج الزمني للحوار والضوابط المنظمة له ).
وقال: إن الإتفاق واضح ولا يتضمن أي شيئ آخر قد يرغب به المؤتمريون أو غيرهم، والعبرة فيما تنص عليه بنود الإتفاق وليس فيما يرغب فيه هذا الطرف أو ذاك، ولذلك سيتضمن تصور ممثلي المشترك في اللجنة المصغرة تنفيذ ما تبقى من بنود وهي الثلاثة السابقة أولا بأول، بحيث لا يكون الحديث عن ضوابط الحوار قبل ضم جميع الأطراف بما فيهم "الحراك الجنوبي" والقوى الأخرى لقوام اللجنة، ومشاركتهم في وضعها، كما لا ينبغي الحديث عن الإنتخابات أوإجرائها بدون مشاركة مختلف القوى فيها بحسب إتفاق "فبراير" وفي مقدمتهم الجنوبيين.
يبدو أن الوفاق الذي خلقه تشكيل لجنة الحوار المشتركة لن يصمد كثيرا.. في الإجتماع الأول للجنة المصغرة المنبثقة عنها المتوقع خلال اليومين القادمين، سيجد المشاركون في اللجنة من الطرفين أنفسهم أمام إمتحان صعب للخروج بتصور موحد للتهيئة والإعداد للحوار الوطني الشامل، مع رغبة المؤتمر في إدراج قضيتي "قانون الانتخابات وتشكيل اللجنة العليا"، ليتزامن الاستفتاء على تعديل الدستور مع إجراء الانتخابات البرلمانية، وإصرار المشترك على إقتصاره على البنود الواردة في اتفاق يوليو للتهيئة والإعداد للحوار فقط، وتنفيذ إتفاق فبراير أولا بأول.
ليس لأنهما بيتا النية لذلك، وإنما لكون التصور على الإعداد والتهيئة للحوار الوطني المحك الحقيقي لخلافات الطرفين التي أرتأيا ترحيلها لمثل هذا الوقت، فنجاح أي طرف في تمرير التصور الذي يرغب فيه لشكل التهيئة والإعداد للحوار والمواضيع المدرجة على طاولته سيحسم الصراع القديم لصالحه وسيحدد وجهة الحوار الوطني القادم أيضا..
لن يكون من السهل على أي منهما التنازل لصالح رؤية الطرف الآخر، فالتنازل مصيري الآن، ويحسم سنتين من الجهد والمفاوضات المضنية، عند هذه النقطة سيتوقفون كثيرا، وربما لذلك تأخر إجتماع اللجنة المصغرة حتى الآن..
قد يكون وضع المشترك أحسن حالا، فهو باستطاعته التحجج بأن بنود "اتفاق يوليو" الذي بموجبه تم تشكيل لجنة الحوار المشتركة، وسمي بمحضر آليات التهيئة والإعداد للحوار الوطني الشامل لتنفيذ البند الأول من إتفاق فبراير، لا تشمل القضايا التي يرغب المؤتمر بإدراجها في تصور عمل اللجنة للتهيئة والإعداد للحوار، وأنه ملتزم بتنفيذ بنود الاتفاق فقط.
كما يمكنه استخدام تصريح الإرياني في الاتجاه المضاد بأن الإتفاق الأخير لا يشمل البندين الثاني والثالث الانتخابين في إتفاق فبراير، وأنه سيؤتى إليهما بعد الإنتهاء من البند الأول للتوصل للإصلاحات على النظامين السياسي والانتخابي من خلال الحوار الوطني الشامل، بعد ذلك والحديث عن إجراء الانتخابات.
إلا أن المؤتمر وبقوة السلطة وبأوراقه الكثيرة التي بإمكانه اللعب بهما كلجنة الإنتخابات للضغط على المشترك، قد يعتقد أنه بإستطاعته الحصول على ما يريد، ليظل الحوار الوطني والوفاق السياسي مفتوحا على كل الاحتمالات.
الخروج بتصور لا يلبي رغبة المؤتمر ويقبل به يبدو ضئيلا، كما يبدو قبول المشترك بتصور على رؤية المؤتمر مغامرة كبيرة ليس بإستطاعته تحملها أو تسويقها لشركائه في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، أو تلك التي يطلب ودها في الخارج والجنوب، ولا حتى في أحزابه الستة فقط.
عند ذلك قد تتعثر لجنة الحوار المشتركة، ومعها قد يذهب الوفاق الوطني الذي لم يعمر طويلا أيضا، قد يجد المشترك نفسه عند نقطة البداية للتحضير للحوار الوطني بدون السلطة وحزبها الحاكم، كما قد تعود السلطة لخياراتها المنفردة وقد تركتها مفتوحة كاللجنة العليا للإنتخابات الحالية والذهاب بها للتحضير للانتخابات القادمة من طرف واحد، أو بإعادة تشكيلها وإقرار مشروع تعديل قانون الإنتخابات في البرلمان والذهاب للانتخابات منفردا.. كل شيئ ممكن.
الخروج من هذه المعضلة "بتصور وسط" يرضي الطرفين ممكن أيضا، إلا أنه يصعب تخيل ذلك "التصور الوسط" فعلا.