يتساءل الكثيرون عن الكاسب والخاسر من الاتفاق الأخير بين المؤتمر والمشترك على آلية تشكيل لجنة التهيئة والإعداد لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، إلا أنه يمكن القول أن لا أحد كاسبا وآخر خاسرا، فيما الرابح الحقيقي هو الوطن وخيار الحوار الوطني الشامل وبمشاركة الجميع بدون استثناء وبدون خطوط حمراء أيضا.. يحسب للاتفاق الأخير أنه الأول من نوعه بين السلطة والمعارضة من حيث التوقيع على آلية لتشكيل لجنة مشتركة للتحضير (للحوار الوطني الشامل) صراحة، مع أن نص البند الأول لاتفاق فبراير الذي تم الاعتماد عليه وتفسيره بهذه الآلية لا ينص على ذلك بهذا القدر من الوضوح (إتاحة الفرصة للأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني لمناقشة التعديلات الدستورية اللازمة لتطوير النظام السياسي والنظام الانتخابي بما في ذلك القائمة النسبية).
فالبند ينص على مناقشة الأحزاب والمنظمات المدنية للتعديلات الدستورية اللازمة لتطوير النظام السياسي والنظام الانتخابي، فالمناقشة ليست الحوار الوطني الشامل بتلك الحرفية كما أن تطوير النظامين السياسي والانتخابي قد لا يعني الإصلاحات الشاملة التي تذهب بعضها للمطالبة بتغيير النظام السياسي.
* مكاسب المشترك يحسب للمشترك نجاحه في تفسير البند الأول في فبراير بالحوار الوطني الشامل وإقناع المؤتمر بالقبول به، وربما التطورات من فبراير 2009م حتى الآن في 2010 والرغبة الإقليمية والدولية في معالجة كافة الأزمات التي تشهدها البلد هي من دفعت بتفسير ذلك البند بالدعوة للحوار الوطني الشامل.
كما يحسب للمشترك تضمين الآلية مشاركة "شركائه" في القائمة التي يقدمها من نصيبه في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني و(لا يجوز لأي طرف الاعتراض على ما يقدمه الطرف الآخر) وهو ما يمكنه من تقديم شركائه في لجنته التحضيرية كالحوثيين ومعارضة الخارج.. وهو بند يتجاوز المطلب الذي كان يطرحه المؤتمر ولم ينجح في تمريره للآلية بأن يكون الحوار تحت سقف الثورة والوحدة والجمهورية، أو في بعض الفترات أن لا يتجاوز الحوار البند الأول في الدستور والذي ينص على سيادة البلد ووحدة أراضيه، وهي فقرة كان يقصد بها قطع الطريق على مشاركة معارضة الخارج أو الحراك ذوي المطالب الانفصالية الواضحة.
كما عزز المشترك بأن لا يستثني الحوار الوطني أحدا من الأطراف الوطنية بالبند الخامس (استكمال التشاور مع بقية الأحزاب والقوى السياسية والفعاليات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني الراغبة للانضمام للحوار الوطني دونما استثناء).
كما يمكن الاحتساب للمشترك بعض النقاط التي فرضها في الآلية ضد مقترحات كان يفرضها المؤتمر في الرسائل التي تبادلاها في ابريل الماضي قبل التوصل للآلية، مثل كلمة "شركائه" كتعبير عن شركائه في اللجنة التحضيرية التي كان يرفض المؤتمر مشاركتها في الحوار، أو قبولها في الفترات اللاحقة تحت كلمة حلفاء المشترك مثل حلفاء المؤتمر.
ومن تلك النقاط للمشترك أن يكون الاجتماع الأول للجنة التحضيرية في (المركز الثقافي) فيما كان المؤتمر يطرح (قاعة كلية الشرطة)، كما فرض المشترك أن تكون رئاسة اللجنة دورية إذا كان الرئيس من المؤتمر يكون نائبه من المشترك والعكس، فيما كان يطرح المؤتمر أن يكون اجتماع اللجنة في مجلس الشورى وبرئاسة رئيسه عبدالعزيز عبدالغني.
كما يمكن الاحتساب للمشترك فرض تفسيره لاتفاق فبراير بأنه شامل ويتم تنفيذه أولا بأول بدءا بالحوار الوطني للإصلاحات السياسية ومن ثم القضايا الانتخابية للذهاب لإجراء الانتخابات البرلمانية المؤجلة، وعدم تضمين الاتفاق الجديد ما يشير لأن يكون الحوار على مسارين سياسي وانتخابي كما كان يرغب المؤتمر، رغما عن البلبلة التي أوجدها تصريح الإرياني بعد التوقيع بأن الاتفاق يشمل البند الأول السياسي وأن البندين الثاني والثالث الانتخابيين الأحزاب البرلمانية معنية بمعالجتهما في البرلمان.
وهو ما قد يفجر الخلاف القادم في حال ذهاب المؤتمر بعيدا بطرح مشروع التعديلات على قانون الانتخابات وتشكيل اللجنة العليا في البرلمان ومحاولة تمريرهما منفردا مع الرفض الذي يبديه المشترك، إلا أن المشترك يستطيع المحاججة بأنه ليس ملزما بهذا التفسير الذي يطرحه الإرياني، وأنه ملزم فقط بما وقع عليه في الاتفاق الأخير الذي لا يشير لذلك مطلقا..
* مكاسب المؤتمر فيما يمكن الاحتساب للمؤتمر إقناع المشترك بالتنازل عن مشاركة الأشقاء والأصدقاء في أعمال الحوار الوطني كضامنين، والقبول ببند أن (تكون أعمال اللجنة علنية وشفافة بما يمكن الرأي العام والأشقاء والأصدقاء من متابعة سير الحوار أولا بأول) كبديل عنه.
ومن النقاط التي قد تحسب للمؤتمر قبول المشترك بعدم تضمين بندي إطلاق المعتقلين السياسيين، وحيادية وسائل الإعلام الرسمية في الآلية بشكلها الأخير الموقع عليها في 17 يوليو الحالي، وهما البندان اللذان كان قد اعترض عليهما الرئيس في ابريل، وقبول المشترك بأن يكون الإفراج عن المعتقلين بموجب تنفيذ التوجيه الرئاسي في مايو وليس كشرط من قبلهم في الاتفاق.
كما قد يحسب للمؤتمر والسلطة أن التوقيع على الاتفاق كان في يوم ذكرى تولي الرئيس علي عبدالله صالح الحكم في 17 يوليو، وهو ما قد يعطي انطباعا أن المعارضة شاركت في حفل تولي الرئيس السلطة وباركته، مع أنها حضرت التوقيع ولم تحضر حفل تقطيع التورته الرئاسية الذي أقيم قبل ذلك، ومع ذلك وجد في المشترك من ينتقد التوقيع في ذلك التاريخ.
* مكاسب الوطن إلا أن خروج الاتفاق بهذا الشكل وتنازل طرف لصالح الطرف الآخر في بعض الرؤى التي كان يطرحها، لا يمكن القول عنه ربح وخسارة لهذا الطرف أو ذاك، فيما يمكن اعتباره مكسبا وطنيا غير مسبوق.
حيث لم يسبق لليمنيين منذ قيام دولتهم الحديثة في الثاني والعشرين من مايو 1990 أن وقعوا اتفاقا على آلية للدخول في الحوار الوطني الشامل لمعالجة كافة القضايا والأزمات والتي تعاني منها البلد، حتى الوحدة نفسها لم تتم بموجب حوار وطني شامل قرر فيه اليمنيون شكل دولة الوحدة التي يريدون، بل تمت بموجب تفاهمات شريكي الحكم في الشطرين والتي سرعان ما أدت للخلافات بينهما وصولا لأزمة حرب صيف 94 التي أدت لتسيد طرف وإقصاء الأطراف الأخرى تباعا..
ومنذ ذلك الحين لم تكن الحوارات بين السلطة والمعارضة تتجاوز القضايا الجزئية كإجراء الانتخابات المتتابعة، والتي لم تؤد في مجملها لمعالجات جذرية للأزمات التي تعاني منها البلد اليوم، والتي باتت تتطلب حوارا شاملا لا يستثني أحدا من الأطراف وبدون خطوط حمراء لإصلاحات سياسية شاملة تعيد دولة الوحدة لمسارها الصحيح بأي شكل يتفق عليه المتحاورون بعد ذلك..
الاتفاق الأخير على تشكيل لجنة التهيئة والإعداد للحوار الوطني الشامل، ليس اعترافا فقط من السلطة بضرورة الحوار الوطني الشامل، فهي تعترف بذلك منذ مدة، وإنما آلية عملية لتحقيق ذلك الحوار وبمشاركتها أيضا، وقد وقعت على ذلك بشكل واضح وصريح لا يقدمه اتفاق فبراير نفسه.
باتت السلطة مطالبة أكثر من أي وقت مضى وقد وقعت على الاتفاق بتلك الآلية بالالتزام بتنفيذه وصولا لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والالتزام بتنفيذ مخرجاته من إصلاحات سياسية شاملة سيتوافق عليها المتحاورون أيا كانت.
فبموجب الاتفاق الأخير لا يمكن للسلطة الاعتراض على مشاركة أي طرف من الأطراف في الحوار، أو الاعتراض على ما يطرح ويقدم من رؤى في الحوار الشامل تحت أي سقف، فللمتحاورين جميعا الحق في طرح أي رؤية، ولهم جميعا حق التوافق حول الرؤية المناسبة للإصلاحات الشاملة.
يعطي الاتفاق في البند الخامس لجميع الأطراف الوطنية الحق في المشاركة في الحوار الوطني الشامل بدون استثناء، كما لا يقدم أي سقف لما سيتم التحاور عليه، يحسب للمشترك حرصه على أن كان الاتفاق بهذا الشكل كما يحسب للمؤتمر قبوله به كمصلحة وطنية للجميع. وبذلك ليس مبررا لأي طرف من الأطراف التي لا تنضوي تحت فقرة "شركاء المشترك" أو "حلفاء المؤتمر" كبعض معارضة الحراك وقوى الحراك، رفضها للدخول في الحوار الوطني الشامل بحسب هذه الآلية التي توصلت إليها الأطراف الرئيسية في البلد ممثلة في السلطة والمعارضة الحزبية (المشترك).
على تلك الأطراف التنبه من الآن أن أي حل لا يمكن له أن يكون خارجا عن هذا الإطار الوطني للحوار الشامل بمشاركة الأطراف الرئيسية في السلطة والمعارضة والذي بات يحظى بالدعم الإقليمي والدولي، وقد عمل الشركاء الدوليون من أوروبيين وأمريكيين في الفترة الأخيرة مع السلطة والمعارضة لإخراجه بذلك الشكل.
أعتقد أن الحوثي كان ذكيا ومحقا في قبوله وترحيبه بالاتفاق الأخير بين السلطة والمعارضة، وقارئا جيدا، بعكس بعض الأطراف في معارضة الخارج وقوى الحراك الجنوبي والقوى الداخلية الأخرى التي لم يرقها الاتفاق وراحت تصرح ضده وترفضه، أو تعتبره اتفاقا بين طرفين شماليين لا يعنيها، قبل قراءته جيدا..
قد تفهم تصريحات الحراك المتشنج على طول.. لكن لا يفهم موقف الرئيس علي ناصر محمد من الاتفاق وهو الشريك للمشترك من خلال الاتفاق الذي وقعه مع لجنتها للحوار للدخول في الحوار الوطني، مع أن الاتفاق الأخير الذي وقعه المشترك مع السلطة للدخول في الحوار الوطني الشامل، تنطبق عليه تماما الشروط التي طرحها علي ناصر في اتفاق القاهرة مع لجنة المشترك وشركائه بأن لا تكون هناك خطوط حمراء على ما سيتم الحوار حوله، وقد حرص المشترك في توقيعه على الاتفاق الأخير مع السلطة على ذلك، حرصا منه على شركائه في لجنته للحوار كعلي ناصر.
بل يوفر الاتفاق الأخير حوارا شاملا وموسعا بمشاركة السلطة وملتزمة بإنجازه وبتنفيذ مخرجاته، أفضل بكثير من الحوار الوطني الذي كان يحضر له المشترك مع شركائه في لجنته للحوار بدون السلطة.. فالسلطة طرف رئيس في الأزمة وطرف مسيطر في الواقع على الأرض ومشاركتها في الحوار الوطني ضرورة، وما ينبغي أن يكون.
* شيطان البند السادس تبدو آلية تشكيل لجنة التهيئة والإعداد للحوار الوطني الشامل في الاتفاق الأخير بين المؤتمر والمشترك واضحة ودقيقة في مفرداتها وأحسن حالا من اتفاق فبراير ببنوده الثلاثة العامة، التي احتاجت الأطراف السياسية الموقعة عليها عاما ونصف لتفسيرها ومازالت في تصريح الإرياني عن كونها "مسارين"..
فالاتفاق الأخير يعكس تطورا ملحوظا للأطراف السياسية المشاركة في صياغته فهو يحسم بشكل واضح آلية تشكيل اللجنة التحضيرية للحوار من حيث مشاركة جميع الأطراف بدون استثناء وعدد المشاركين فيها بالتساوي وبنفس المعايير للراغبين للانضمام لها،ورئاستها الدورية، وعن كون القرارات فيها بالتوافق.
ومع ذلك يكمن شيطان خطير للتفسيرات في البند السادس عن عمل اللجنة في (إعداد البرنامج الزمني للحوار والضوابط المنظمة له) وبالخصوص في فقرة ضوابط الحوار، التي قد يفسرها المؤتمر بأن يكون الحوار تحت سقف الوحدة والجمهورية والثورة والدستور كضوابط للحوار مع أنه لم ينجح في تضمين ذلك في الآلية، لحرص المشترك أن لا يكون الحوار تحت أي سقف إلا أن المشترك كذلك لم ينجح في تضمين ذلك صراحة كبند في الآلية. فالمشترك يعتقد أن من حق أي طرف التقدم برؤيته للحوار الوطني الشامل ولو كانت رؤى انفصالية لقوى الحراك الجنوبي، ووقع اتفاقا مع علي ناصر في القاهرة بأن لا يكون هناك خطوط حمراء على ما سيتم الحوار حوله، للمتحاورين في مؤتمر الحوار فقط القبول بأي رؤية مناسبة للإصلاحات السياسية الشاملة ولكن لا يتم رفض أي رؤية من حيث المبدأ قبل عرضها على مؤتمر الحوار.
إلا أن الآلية الموقع عليها مؤخرا تترك موضوع إعداد البرنامج الزمني وضوابط الحوار للجنة التحضيرية المشتركة في البند السادس والقرارات فيها بالتوافق بحسب البند السابع (تتخذ اللجنة قراراتها بالتوافق وتكون ملزمة للجميع)، وبذلك لا أعتقد أن أي طرف سيستطيع تمرير مفهومه لتلك الضوابط على حساب مفهوم الطرف الآخر.. وعند ذلك أعتقد أنهم سيتوقفون كثيرا.
يكمن شيطانان في تفسير الاتفاق الجديد أحدهما صرح به الدكتور الإرياني مباشرة بعد التوقيع عن كون الاتفاق الجديد يخص البند الأول السياسي بتشكيل لجنة الحوار الوطني الشامل، وأن البندين الثاني والثالث انتخابيين عن تعديل قانون الانتخابات وتشكيل اللجنة العليا، الأحزاب البرلمانية معنية بهما في البرلمان، وأكد بيان المؤتمر وحلفائه المرحب بالاتفاق على هذين المسارين.
رفض المشترك ذلك صراحة وأكد تمسكه بأن اتفاق فبراير كل لا يتجزأ وأنه سينفذ أولا بأول، وبصراحة في تصريح الرئيس عقب التوقيع ما يطمئن ويقترب من مفهوم المشترك عن تشكيل حكومة وطنية بعد الانتهاء من الحوار الوطني ومن ثم الذهاب للانتخابات.
إلا أن الشيطان الآخر الكامن في تفسير البند السادس عن ضوابط الحوار يبدو الأخطر فبه قد نذهب لحوار وطني جيد، أو حوار مفرغ من مضمونه بسقوف قد يطرحها ممثلو السلطة في اللجنة، وعنده قد يتعثر الذهاب إلى الحوار طويلا..