(1) لو أصدرت اللجنة العليا للانتخابات ألف بيان.. ولو كتب رموزها ألف مقال يبرئون فيها قرارهم بدعوة الأحزاب لتسليم أسماء ممثليهم في اللجان الانتخابية من التسييس و(الملعنة).. وأنهم فقط ملتزمون بالمواعيد الدستورية، وهمهم فقط المصلحة الوطنية.. لو حدث ذلك فلن يصدقهم أحد؛ حتى المؤتمريون أنفسهم!
فلسوء حظ اللجنة الأسوأ خلال العشرين سنة الماضية؛ فإن كل ممارساتها وأفعال وأقوال أعضائها تؤكد أنهم يتصرفون – ويتنفسون- وكأنهم موظفون في الأمانة العامة للحزب الحاكم! بل إن الإنصاف يفرض أن نقر أن هناك كثيرا من الشخصيات المؤتمرية لديها من حسن التصرف، والاتزان، والحياء، ومراعاة (الله المستعان) ما يفتقد إلى الضروري منه من كان يفترض أن يتحلى به أناس أقسموا أيمانا على التزام الحيادية في عملهم!
سوف نفترض - جدلا- أن اللجنة العليا للانتخابات – المحايدة، الأمورة، السبسوبة- تجد نفسها أمام استحقاق دستوري.. وأنها مضطرة للخوض - أستغفر الله.. أستغفر الله - في (مخمصة سياسية) وتبدأ في تنفيذ إجراءات انتخابية مثل تشكيل لجان تتكون من ممثلين عن السلطة والمعارضة.. ألم يكن من الحصافة والحيادية ومراعاة المصلحة الوطنية أن يتأنوا ويستعيذوا بالله من الشيطان، ويستشيروا الأحزاب في لجنة الحوار؟ بلاش اللجنة.. ألم يكن من الأفضل أن يستشيروا الوالد نائب رئيس الجمهورية ورئيس لجنة الحوار عن صوابية قرارهم وخطورة انعكاساته على الحوار الذي من أبرز مسائله: ضمان إجراء انتخابات نزيهة يشارك فيها الجميع؟
سيقول بعضهم: تطالبوننا بالحيادية ثم تنصحوننا باستشارة الأمين العام للحزب الحاكم؟ هزلت ورب الذي خلق الناس فكان منهم: المزورون والمتلاعبون بإرادة الناخبين، الذين يقولون للموتى: صوتوا في الانتخابات.. فيصوتون من قبورهم.. وينتخبون مرشحي الحزب الحاكم!
بلاش النائب.. ألم يكن بإمكانكم الذهاب إلى فخامة رئيس الجمهورية الذي يرعى الحوار بدلا من إحراجه بهذه الطريقة الغبية.. أو كان يمكن تكليف عضو من اللجنة بكتابة مقال موجه للأحزاب يطرح القضية للنقاش بدلا من توتير البلاد في رمضان؟ ألا يكفي المشاكل، والأزمات، والحروب، والتمردات، ودعوات الانفصال، والغلاء، والتصريحات التي نسمعها وتتحدث عن – لا قدر الله- انهيار البلاد وتفكك الجيش والدولة؟
يبدو أن الأخوة في اللجنة العليا ظنوا – وبعض الظن: إكرامية رمضان- أن مضيهم في التحضير للانتخابات متجاهلين ما يدور من حوار هو حجتهم لإثبات حياديتهم.. لكن جاءتهم الخيبة من المؤتمر نفسه الذي سارعت قياداته لتأكيد جاهزيتهم لتلبية طلب اللجنة والتنديد باللقاء المشترك لعدم اعترافه بأن اللجنة (حية) ترزق! مع أن المفهومية كانت تقتضي أن يتمهل المؤتمريون ويتظاهرون بأنهم فوجئوا.. وأنهم: ياي- يعني: جني باليمني!– غير مستعدين، وأنهم بحاجة للتشاور مع شركائهم في لجنة الحوار حول الموضوع!
المهم.. الاستجابة المؤتمرية السريعة جدا كشفت اللعبة، وأكدت ما هو معروف بالضرورة في بلادنا أن السلطة عندما تفشل في أن تجعل المشترك يرفض الحوار معها تبتكر أساليب وحركات من خارج طاولة الحوار لنسف التوافق من أساسه! وعلى طريقة الدب الذي ضرب رأسه بالحجر ليبعد عنه الذبابة التي كانت تقف على أنفه!
لا جديد في الموضوع كله.. إلا أن السلطة أعطت الرافضين للحوار تحت مظلة الوحدة والدستور، أو تحت مظلة الانفصال، حجة سريعة لتأكيد مخاوفهم من عدم جديتها ومن ثم رفض الحوار معها من أساسه بدون ضمانات دولية!
هل هذا ما كانت السلطة تريده؟ أن تقنع الدول الصديقة الراعية للحوار بأنها تماما كما يقول عنها الحراكيون والحوثيون والمعارضة في الخارج: أنها سلطة صميل.. وصميلها هو: الضمانات الدولية أو ربما التدخل الدولي؟
(2) في الراجح.. ضاعت الإكرامية على الغلابى من موظفي الدولة.. ولم ينفعهم المقالات والرسائل عبر الهاتف التي أرسلوها بواسطة قناة سهيل؛ بل ربما كان كل ذلك سببا في تعمد السلطة في ألا توافق على الصرف! فالشيء المؤكد أنها لا تقبل الرضوخ للمطالب إلا إذا كان الأمر فيه صميل.. والمقالات ورسائل ال(إس إم إس) ليست من جنس الصميل!
لم يعد أمام جماهير الموظفين – من غير المؤسسات الإيرادية- إلا أن يعملوا بذكاء لتكريس تقليد إكرامية رمضان للجميع من خلال تبني تعديل دستوري يقضي بإجراء الانتخابات الرئاسية كل سنة وفي شهر شوال تحديدا.. ولو نجح ذلك فأبشروا بإكرامية رمضان، وإعفاء من دفع الزكاة وصدقة الفطر، وتقييد الواجبات بالسلاسل، وعدم خصم أقساط على المتغيبين بسبب سبلة العيد!
(3) التحسر الذي نقرأه في وسائل الإعلام على غياب الدور الحكومي في الرقابة على الأسواق وضبط الأسعار؛ شيء من باب: شر البلية ما يضحك! فهل يعقل أنه ما يزال في بلادنا من يخطر بباله أن الحكومة قادرة على ضبط صاحب عربية حتى يحلم أنها يمكن أن تضبط الأسواق والأسعار؟
التجربة أثبتت أن اقتراب الدولة في بلادنا من أي شيء يؤدي إلى فساد في الأرض واستفحال الشر! وفي القواعد الشرعية أن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة.. فما بالنا عندما تكون المفسدة محققة.. وصنع في اليمن؟ ألم يقولوا: ابعد عن الشر.. وغنِ له! عن الناس