قامت ثورة 26 سبتمبر في عام 1962م كردة فعل طبيعية لما عاناه الشعب اليمني وقتها من جهل وفقر وظلم من قبل الحكم الإمامي المستبد، وفي الشطر الجنوبي من اليمن تفجرت ثورة 14 أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني الذي يربط الإعمار والبناء التنموي بالبندقية والتحركات العسكرية والذل والهوان الذي كان يعانيه الشعب المُستَعمر. وقد وضعت الثورتين أهداف سامية لتحمي الشعب مما عاناه، وحرصاً من الثوار الأحرار الذين ضحوا بدمائهم وأرواحهم لكي لا تتكرر هذه المأساة، وللحفاظ على كرامة وإنسانية الأجيال القادمة. وإذ يرقد أولئك الآن بسلام في قبورهم ظناً منهم أننا اليوم في حال أفضل بسبب تضحيتهم ولا يبدون الندم لما بذلوه وان دارت عجلة الحياة مرة أخرى ربما يبذلون ما بذلوه من قبل من اجل وطنهم وبنفس الطريقة، فرحمة الله عليهم جميعاً.
لكن دعونا نرى حال اليمن بعد 48 عام من تاريخ الثورتين؟ وماذا حققت الحكومة اليمنية الحالية - التي تحكم اليمن منذ 32 عام - ؟!. وعلى أنه تم بناء العديد من الصروح التعليمية، لكنها مازالت تنشئ أجيال جاهلة بسبب الاهتمام على الكمّ وإهمال الكيف، فأصبح عدد الطلاب الذين يتسربون من المدارس في تزايد يومي لأن الدرجة الوظيفية لا تعتمد على الشهادة وانما الوساطة والمحسوبية وذلك بسبب الفساد المتفشي في جميع الهيئات والدوائر الحكومية التي تجعل اليمن الدولة رقم 154 في قائمة الفساد وفقاً لتقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2009م.
وقد أصدر مجلس الشورى مؤخراً تقرير يشير إلى وجود مليون طفل غير ملتحقين بالتعليم ضمن الفئة العمرية 6- 14 سنة، و يشكلون 45.7 بالمائة من سكان اليمن، كما أوضح التقرير ان 30 - 40 بالمائة من الأطفال ينضمون سنوياً إلى طابور الأمية، مع أخذنا في الاعتبار أن الجهل ليس أمية القراءة والكتابة فحسب، بل أمية الثقافة والسلوك الحضاري، أضف إليها الأمية الالكترونية. وبذلك هل نستطيع القول أن القيادة اليمنية الحالية استطاعت التخلص من الجهل؟!
الأمر لا يقف عندئذ، إذ تعد اليمن إحدى أكثر البلدان النامية فقراً و أقلها نموا في العالم حيث يحتل المرتبة 150 في مؤشر التنمية البشرية لسنة (2008)، وغالبية الشعب فقراء ويعيش 45% منهم على حوالي 2 دولار للفرد الواحد في اليوم، أي أن غالبية الشعب اليمني يعيش تحت خط الفقر..
ولا يزال الريال اليمني ينهار أمام باقي العملات وتشكو اليمن من تضخم اقتصادي واحتكار وزيادة في الأسعار وجرعات متلاحقة لا يقوى المواطن اليمني البسيط الذي لا يملك الكفاءة او المهارات التعليمية او تأمين اجتماعي لتحمل كافة هذه الأعباء الناتجة عن الجرعات وبالمقابل هناك اسر تعيش في ترف مبالغ فيه والطبقة الوسطى بدأت بالتلاشي والاختفاء شيئا فشيئا فأصبحنا نعيش مابين غناء فاحش وفقر مدقع. وبذلك هل استطاعت سلطة ال32 عاماً التخلص من الفقر؟!
يعرف جميعنا أن نظام الجمهورية اليمنية هو نظام ديمقراطي جمهوري كما ينص الدستور والقانون، وتعتمد في حكمها على سلطاتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، لكن هذا ما نراه غائبا تماما على ارض الواقع.
فاليمن تحكمها وتسيطر على كافة أنظمتها السلطة التنفيذية العسكرية وتقوم بعملها بشكل مستقل وتحركاتها لا تمت بصلة الى التشريعات ولا تخضع للسلطة القضائية والتي تعد الأضعف مابين السلطات، فالقضاء ليس مستقل وتطول القضايا في المحاكم لسنوات طويلة فيلجأ المدعيين الى قانون القبيلة لأن تحركها اسرع وحكمها فاعل، أما المواطن المدني الذي يتبع القوانين ولا يؤمن بدولة القبيلة فيظل يناضل من اجل حقوقه حتى يحكم موت احد الغرماء في القضية أو ان يكن الطرف الاخر وساطات ونفوذ ينهي فيها القضية لصالحه.
ولعل قضية الاختطاف والاعتداء على الصحفي عبد الإله شائع والرسام كمال شرف خير دليل على أن الأمن القومي يقوم بدور السلطة العليا في اليمن، فقد قام باحتجازهما في سجون غير شرعية والقبض عليهما بطريقة عسكرية تعسفية أيضاً، كما تم إطلاق النار على منزل كمال شرف وتوقفت حركة حي بكاملة وتعرضت أسرتين لإرهاب دولة بسبب قبض على صحفي ورسام !!.
ولم يبالِ الأمن بمذكرة النيابة المتخصصة التي تطالب بإحالة المجني عليهما الى النيابة، كما لم يبال ِ أيضاً بنص الدستور اليمني الذي يحاكم أي موظف عام بالسجن لمدة خمسة سنوات في حال احتجز مواطن لأكثر من 24 ساعة ولم يسمح له بتوكيل محامي أو يسمح لاسرته بزيارته والاطمئنان عليه.
لكن ما يجدر الإشارة إليه أيضاً، إن سجون الأمن القومي لا تخضع لقانون تنظيم السجون، وبذلك فإنها تعد سجون غير شرعية.
الفوضى لا تقف عند حدود، واختراق القوانين يبدو وكأنه مهنة منظمة، كما لا تبدو أن ثمة بادرة أمل لتخطينا عتبة "العسكرة" وهي الطريقة التي تدار بها البلد. ففي محاولة لمنظمات المجتمع المدني للتحرك السلمي والمطالبة بتنفيذ القانون والدستوري والإفراج عن حيدر وشرف، الذي يعتبر القضية باطلة بسبب بطلان إجراءات القبض عليهما ولعدم وجود تهم واضحة ضدهما، لكن الرد كان سريعاً من قبل أجهزة الأمن، وكالعادة، أرسلت عناصرها لإرهاب المعتصمين أمام مكتب النائب العام وتخويفهم والاعتداء عليهم ومحاولات لمصادرة كاميرات التصوير.
والمفارقة الغريبة هنا ان المعتصمين والمعتصمات ينادون الى تطبيق القانون والدستور، غير أن السلطة تأبى إلا أن تخالفه، وذلك على العكس مما هو متعارف عليه بأن الحكومات تقوم بدورها لتطبيق القانون وتحاول الضغط على الشعب بكافة الطرق إلى تطبيقه!.
لا يزال الشعب اليمني يعيش تحت وطأة الجهل والفقر والظلم، أضف اليها الفساد، فهل نحتاج إلى ثورة ثالثة وإلى بذل مزيد من الأرواح والدماء في سبيل الحفاظ على كرامة وانسانية الأجيال القادمة؟!
شخصياً، أعتقد أن اليمن في حاجة إلى ثورة ثالثة فعلاً، لكنها ليست ثورة عسكرية دموية، وإنما إلى حركة مدنية قوية ومؤثرة لإحقاق سيادة القانون وتطبيق الدستور اليمني. ولعل هذا هو ما تسعى إليه منظمات المجتمع المدني والصحفيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان عموماً، لكن الأمور تسير بشكل بطيء جداً وغير ملحوظ في أغلب الأحيان، وذلك لأن هؤلاء يظنون أنهم يقومون بواجبهم فقط، ولا يعلمون أنهم جزء مهم من "الثورة المدنية الثالثة" التي لو تمت ستخلص اليمن من الفقر والظلم والجهل. إن العمل المدني الحالي متفرق الجهود ولا يعمل ضمن تحالفات أو لأهداف عامة ومشتركة، بحيث تضم كافة الناشطين والمدنيين تحت مظلة واحدة، وهذا انعكس سلباً على تأثيره الضعيف وبطء تقدمه، بل يمكننا وصفه ب"الأعرج" وقد يصاب هذا التحرك بالشلل في يوم من الأيام، تماماً كما اصاب الشلل الاحزاب السياسية المعارضة.
إنما يجب علينا عمله، سواء منظمات أو أفراد أو جماعات، هو الجدية والتكاتف في الجهود، والتضامن مع كافة قضايانا.. لماذا لا نثور كلنا من أجل الجعاشن؟ لماذا لا نثور كلنا من أجل الصحفيين؟ ولماذا لا نثور كلنا من أجل حقوق وكرامة الإنسان في اليمن؟!.
مهما اختلفت اختصاصتنا فنحن نمثل المجتمع المدني والذي كان له دور رئيسي في التغيير والتحولات الديمقراطية في أكثر البلدان المتطورة، نحن أعضاء في ثورة قادمة فيجب أن نضاعف جهودنا ونركز تفكيرنا وأجندتنا من أجل التغيير نحو مستقبل أفضل ويمن أفضل.
فهل تستحق منا اليمن أن نبذل في سبليها القليل من الوقت والجهد والتضامن مع كل منتهك وأن نرفض سوياً الظلم والاستبداد.. فنحن نساهم في بناء دولة مدنية اساسها القانون والمساواة، إذاً فلنوحد الكلمة ولنطالب بحقوقنا ضمن تحالف مدني واحد.. فلا يضيع حق وراءه مطالب. المصدر أونلاين