في ليلة من ليالي رمضان المبارك دخلت المسجد لصلاة العشاء والتراويح، فوجدت شاباً مهندماً قوياً مربوطاً على سارية المسجد وعليه ورقة مكتوب فيها "سارق الأحذية".. أخذتني الدهشة والمفاجأة لهذا الموقف، خاصة أنه كان موقفاً تعزيرياً وهو مربوط على السارية، وتساءلت لماذا هذا التصرف؟ ولماذا لا يؤدبه من وجده متلبساً بضربه ونصحه وطرده لعله يأخذ بذلك درساً بليغاً، أو يأخذه ويشكوه إلى الجهات المعنية في الدولة لتقرر العقوبة الشرعية والقانونية لمثل تصرف كهذا! ولماذا لم يستخلصه الإمام إمام المسجد وشخص آخر معه ويحقق معه ويدرس حالته ومن ثم يقررون، إما أن يكتفي بالردع والزجر والنصيحة ويطلق سراحه، أو يتم رفع وشكوى به إلى الجهات المعنية الرسمية وتتحمل المسؤولية. ولكن سؤالاً آخر تبادر إلى ذهني وهو لماذا قام هذا الشاب بالسرقة؟ وهذه ليس ظاهرة جديدة، ولكنها اليوم تزداد وتشمل فئات مثل هذا الشاب.. إنها مصيبة وكارثة.. وفي نظري عملية الحكم بربطه على سارية المسجد وتعزيره، وهو شاب مسلم وقع في معصية كان الحكم عليه هكذا غير موفقاً من نواحٍ عديدة أهمها:
- إن الحكم بالعقوبة ليس من شأن أي شخص بل هناك ضوابط وجهة رسمية يناط بها هذا. - إن الأسلوب يولد لدى الشاب حقداً أكبر على المجتمع الذي أذله وشوه سمعته ولم يبال في الوقت نفسه بظروفه، على الأقل لم يسأل لماذا يفعل هذا؟! - إنه قد لا يكون هو السارق الوحيد وقد يكون ضمن مجموعة منظمة أو غير ذلك، ومن ثم قد يتم تكرار السرقة من آخرين مستغلين معرفة الناس وروّاد المسجد بالسارق، لتشار إليهم التهمة ومن هذه الحادثة والموقف خرجت بعدة دروس منها:
* إن رسالة المسجد هي التربية والتعليم والتعريف بالحق وأهله والتحذير من الباطل وأهل الباطل وفضح جرائمهم وفسادهم.. ولذا فإن المساجد بحاجة إلى أن يكون القائمون عليها ذوي فقه بالتعاطي مع المشاكل واستغلال الأحداث في تربية الفرد العاصي والمجتمع عملياً، كما حدث للأعرابي الذي بال في المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي حضرته، وهمّ الصحابة بضربه ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم دعوه يكمل.. وبعد انتهائه من بوله استدعاه ووعظه.. وقال لأصحابه: صبوا على المكان دلواً من ماء.. ماذا لو حدث هذا في مسجد من مساجدنا اليوم وخاصة في المسجد الذي هو موضوعنا؟
* إن موضوع القبض على السارق في حد ذاته وعدم السكوت عليه يعتبر في حد ذاته إيجابياً، إذ لا يجوز بل مرفوض كلياً أن يسكت الإنسان عن ظلم ظالم كالسارق وغيره ولو كان سارق أحذية، فكلما قال إمام المسجد والناس هنا: لا لسارق الأحذية، لا بد أن يصرخوا جميعاً: لا لسارق الأرصدة لا لسارق ثروتنا، وهذا الأخير ليس المطلوب ربطه على سارية المسجد كذلك، بل فضحه وتحذير الناس منه من منبر المسجد. مطلوب من منبر المسجد أن يقول كلمته في الجرائم ضد الشعب، جرائم الظلم والجرع وزيادة الأسعار، وحرمان الناس من أبسط حقوقهم مثل الكهرباء، الماء، الطعام، السكن، والعيش الكريم والتضييق عليهم، فلم تأتِ سرقة الأحذية إلا بعد أن تم سرقة الأرصدة العامة، مثل جريمة بيع الغاز المسال الذي تصرفت في الحكومة بدون مسؤولية واعترفت فيه مؤخراً، ولكن ماذا بعد، فهل يفعل هذا الإمام في هذا المسجد أو أمثاله بأن يثير حادثة سارق الأحذية، ومثلها ظاهرة التسول المتسعة يوماً بعد يوم، ويضع الحكومة والسلطة والمجتمع والعلماء والقوى السياسية أمام مسؤولياتهم، ويذكر بالحديث "اللهم من وُليّ من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به ومن شق عليه فاشقق عليه" أو كما قال صلى الله عليه وسلم. المصدر أونلاين