إن الأمور ليست بخير، وتنحو منحاً مغايراً لما يفترض أن يقوم به النظام للتصحيح..!! ومنذ فترة طويلة، والناس في المحافظات الجنوبية، يتحدثون عن أراضيهم التي سلبت منهم، وأعطيت لغيرهم. وهم يتهمون النظام صراحة ويعتبرونه المسئول الأول في تلك الجريمة. يعتقد البعض أن النهب والسلب الذي طال أراض في المحافظات الجنوبية من الوطن، بدأ منذ ما بعد الحرب الأهلية في صيف 1994. غير أن دراسة حديثة، أكدت أن الأمر سبق ذلك بعد قيام الوحدة مباشرة، بسبب ما عزته إلى "الحرمان الطويل في الماضي". أي في مرحلة ما قبل الوحدة، حيث كان التأميم هو الأمر السائد، والدولة هي المتصرف الوحيد بالأرض، تبنيها وتهبها لموظفيها.
نشرت صحيفة الصحوة في أعدادها الأخيرة تلك الدراسة ضمن ملف أعد الزميل سمير حسن كشف فيه أسماء من وهبت لهم دولة الوحدة أراض واسعة في محافظة عدن من مشايخ وتجار، ومستثمرين، ومتنفذين. ونحن – هنا – في المصدر أون لاين سنقوم بإعادة نشر تلك الدراسة ولكن بتصرف لا يخل بمضمون التقرير.
قدم مركز "مدار"للدراسات والبحوث بعدن، دراسة – هي الأولى من نوعها- حول مشكلة الأراضي هناك. بدأت تلك الدراسة بتقديم خلفية حول ما مرت بها الأراض في عدن منذ الإحتلال البريطاني، وبعد الإستقلال، وقبل الوحدة، لتنتقل إلى ما بعد الوحدة، وحتى اليوم. تقول الدراسة أن: معظم الأراضي في عدن كانت أراض بيضاء عدى أجزاء بسيطة مزروعة منها أو تستخدم كمراعي للقبائل القريبة من ضواحي عدن. أما الأراضي الواقعة في قلب المدينة فكانت خاضعة لسيطرة الإدارة البريطانية حيث قامت بتخطيطها بهدف إنشاء المشاريع السكنية والتجارية فوقها وتم تشييد عدد من المنشات السكنية والتجارية في إحياء عدن المختلفة . وبعد الاستقلال خضعت الأراضي البيضاء لسيطرة ومسؤولية الدولة. فهي التي كانت تمنحها في الحدود الدنيا لبنا المساكن الخاصة وبشروط مشددة. لم يذكر أن هناك انتشاراً في صرف الأراضي في فترة ما قبل الوحدة اليمنية سوى للحالات الاضطرارية للميسورين لبناء المساكن. وبحكم فلسفة النظام كانت الدولة هي المسؤولية عن بنا المساكن للناس ولم يكن هناك من يفكر بالأرض بحكم القوانين السائدة في تلك الفترة التي منعت التملك وتم إصدار قانون التأميم رقم 32 لعام 1972م الذي بموجبه تم تأميم كثير من المساكن والمنشاءات الاقتصادية والتجارية لتؤل ملكيتها للدولة . وقد شكل قانون التأميم مانع أمام الناس وصرفهم عن البناء والتملك العقاري او المطالبة بالارض واقتصرت طلبات الحصول على الأرض لفئة المغتربين فقط أو صرف الأرض للمؤسسات الرسمية ، ولم تظهر هناك تجارة ما يسمى بالعقار. إذ أقدمت الدولة على توزيع المساكن المؤممة على الساكنين فيها والراغبين بالسكن وكان يتم توزيع المساكن الخالية على المحتاجين من موظفي الدولة. كما قامت الدولة ببناء عدد من الوحدات السكنية في كل من احياء كريتر والمعلاء والمنصورة والشيخ عثمان والممدارة حيث أنجزت الآلاف من الوحدات السكنية وتم توزيعها على المواطنين . وفي مطلع العام 1989م مع بدأ التحركات العالمية نحو التغيير وتنقل المواطنين بين الشطرين وبدا الحديث عن تداول مواضيع الاستثمار في القيادة السياسية وعدم مقدرة الدولة على بناء المساكن وفشلها في توفير المساكن للمواطنين الذين تزايدت طلباتهم على الوزارة المعنية للحصول على السكن وقد تم التوجه بصرف قطع ارض للمواطنين في مخطط بير فضل والحسوة، وفي العام التالي تم تحقيق الوحدة اليمنية وتغير النظام السابق حيث انفتح الناس على الارض مستفيدين مما جرى في المحافظات الشمالية وتم البدء في اعداد المخططات الرسمية وصرف الاراضي في محافظة عدن التي اخذت عدد من الاشكال مثل الجمعيات السكنية والزراعية والاستثمارية والطلبات الفردية ، وهرع الناس بصورة لم يسبق بالاندفاع نحو طلبات الأرض لغرض السكن والتجارة والاستثمار والسمسرة بسبب الحرمان الطويل في الماضي كما اندفاع القادمين الى عدن سواء من العائدين بعد حرب الخليج، او من القادمين من مختلف مناطق الريف اليمني ذات الكثافة السكانية بعد قيام الوحدة اليمنية في العام 1990م .
* ما بعد الوحدة: أثناء المرحلة الانتقالية تزاحم الكثيرون من التجار وموظفي الدولة لطلب أراض في المحافظات الجنوبية التي مازالت كثير من أراضيها لم تستغل، وعلى وجه الخصوص في عدن ولحج وأبين وحضرموت ، وكانت الجهة المسئولة عن صرف الأراضي قد تعاملت مع ذلك بصورة دقيقة وخالية من بعدها الاستراتيجي والاجتماعي. رافق ذلك انتشار ظاهرة الرشاوى والمحسوبية بين العاملين والمسئولين المعنيين في هذا الجانب، وجرى التسابق بين الجهات الرسمية في الصرف بإعتبار أن تلك الأراضي تابعة للدولة، وشجع القضاء على ما سمي ب"اثبات واقعة" وتحت هذا الادعاء تقدم البعض بطلب إثبات واقع بوصفهم أصحاب الأرض وباسطين عليها من خلال إحضار أثنين شهود للمحكمة يؤكدان ذلك ولان الأرض بيضاء لم يظهر لها منازعين كانت تصدر الأحكام بيسر وصدرت عدد من الأحكام السريعة وكان القصد منها الاستحواذ على أجزاء ومساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في ضواحي عدن بهدف التجارة والسمسرة ويلاحظ أن معظم هذه الادعاءات بإيعاز من جهات نافذة تقاسمهم الأرض في الغالب وبذلك فقد عم الفساد الأجهزة الإدارية المسئولة عن صرف الأراضي والذي أدى الى حصر عملية الصرف على فئات محدودة من ذوي الوجاهة والنفوذ وأصحاب المال.
وأخذت عدد من المصالح والوزارات تتسابق في صرف الاراضي في عدن ولحج وابين وعلى رأسها وزارة الزراعة ممثلة في مكاتبها في المحافظات تحت مايسمى بالجمعيات الزراعية . وتم استحداث المساحة العسكرية التابعة للقوات المسلحة وقامت في تخطيط وصرف الاراضي للمنتسبين في القوات المسلحة . كما تم استحداث دائرة خاصة بالاستثمار العقاري في عدن وأقدمت هي الأخرى على صرف الأراضي الاستثمارية في المحافظة لمقدمي طلبات الاستثمار مستغلين قانون الاستثمار الذي أجاز صرف الأرض للمستثمرين.
* ما بعد حرب 94م: أما بعد حرب صيف 94م فقد تم التعامل مع صرف الأراضي بنفس الطريقة وأكثر مما تم في الفترة السابقة ولم يقتصر الأمر على تلك المؤسسات التي عنيت في صرف الأراضي حيث فتح المجال بصورة أوسع أمام الإدارات والمؤسسات والمصالح الحكومية المختلفة للتصرف بأصولها العقارية. كما حصل في مؤسسة اللحوم وشركة التجارة ومستشفى الأمراض النفسية والمؤسسة العامة للحفر والزراعة والمؤسسة العامة للإنشاءات والتركيبات الصناعية. ومن جهة أخرى تم التنسيق بين مصلحة الأراضي وبعض المؤسسات الأخرى بالتصرف في صرف العقارات والأراضي المجاورة لهذه المؤسسات. كما حصل في اقتطاع مساحات من أسوار عدد من المدارس.
كما ودخلت الأوقاف كطرف رئيس في صرف الأراضي، حيث أقدمت على تخطيط عدد من المناطق البيضاء والمساحات المجاورة للمساجد والمقابر وقامت بصرفها بطرق مزاجية ولعب الفساد الدور الرئيسي في التصرف بهذه الأراضي بالإضافة إلى المنطقة الحرة التي أقدمت على اقتطاع أراضي واسعة واحتسبتها ضمن أملاكها وأقدمت على صرفها للمستثمرين ومنعت جهات عديدة من السماح لها بالعمل في الأراضي التي قد صرفت لها من سابق وظهر التنازع بين المنطقة وأطراف أخرى على الأرض.
وتراجع دور الدولة في حسم هذه القضايا داخل المجتمع بسبب فقدان فرص الحصول على الأراضي التي تقع عادة على حساب الفئات الأكثر حرمانا في المجتمع. وتم الدفع بعدد من مدعي الملكيات للأراضي بالمطالبة باستعادة مانهب منهم في الحكم السابق وأقدمت بعض المحاكم على إصدار أحكام للمتقدمين وتحت السمسرة بهذه الأراضي والتي كانت دائما تتم بإيعاز وتدخلات جهات الصرف والإدعاءات. الأمر الذي أدى إلى تراكم تلك المشكلات ولم يتم الحسم لها.
لقد أدت التغيرات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في بلادنا خلال السنوات القليلة الماضية إلى تراكم عدد من المشاكل الاجتماعية وأولها قضية الأراضي خصوصا في المناطق الساحلية التي تتواجد فيها المساحات الفارغة غير المستخدمة، كما هو حاصل في محافظة عدن. وبصورة متزايدة كان قد تتسبب هذا الوضع في تهميش من هم اقل الناس استعدادا لمواجهة هذه التغيرات. وأدى ذلك بمجمله إلى بروز العديد من النزاعات بين عدد من الأطراف على الأراضي. كما ظهرت فئة ما يسمى بسماسرة الأرض الذين اثروا ثراء فاحشا وتسببوا في عدد من المشاكل بين الناس. واستغل البعض مواقعهم للاستحواذ على الأراضي والمتاجرة بها. الأمر الذي اثر سلبا على عدم حصول الغالبية من البسطاء وموظفي الدولة على أراضي للسكن الشخصي وعلى الاستخدام غير المسئول للأراضي وهدر المال العام وتبديد الثروة وخلق الفتن بين الناس.
أدى ذلك – حتماً – إلى تضاؤل الفرص أمام محدودي الدخل وفتحت الشهية لكبار التجار وسماسرة الأرض . وأغفلت في وجه الغالبية العظمى من الناس فرص الحصول على الأراضي بعد أن ضلوا زمن طويل ينتظرون الحصول على المساكن أو الأراضي لبنا السكن الذي تمتلئ بهم سجلات الإسكان والأراضي وفتح المجال واسعا لنهب الأراضي والتي اتخذت طرق عدة اشتركت فيها جهات عدة وحكومات متعاقبة. وبدا على تصرف البعض من المسئولين وكائنهم يعيشون اللحظة الأخيرة وبذلك ظهرت الادعاءات غير الشرعية بالأراضي مثل "إثبات الواقعة" والوثائق المزورة في ادعاءات الملكية والشراء فضلا عن تبعات الصرف غير المسئولة وما رافق ذلك من تضارب في الصرف أو التزوير أو حجج كالاستثمار أو الشراء من الملاك والتي جميعها موجهة نحو النهب والعبث بالأرض.