الإبادة الجماعية للأيغور المسلمين في تركستان الشرقية أو ما تسميها الصين (شينجيانج) تحدث في ظل صمت إسلامي غريب، حتى أئمة المساجد لا يذكرونها في خطبهم، ربما حتى لا يتهمهم أحد باستثارة الإرهابيين! وكالات الأنباء نقلت يوم الجمعة الماضي خبرا عن إغلاق جميع مساجد العاصمة (أورومتجي) وتكتب أيضا (أورومتشي) في وجه المصلين، خشية اندلاع مواجهات جديدة.
عدد القتلى وصل في الأسبوع الماضي حسبما يقول الأيغور أنفسهم إلى نحو 800 من أبنائهم، وليس 150 فقط كما تقول مصادر الحكومة الصينية.
لا أحد في عالمنا الإسلامي المفتوح على مصراعيه للمنتجات الصينية الرخيصة، منخفضة الجودة، كان له رد فعل على ما يحدث، ولو حتى بمناشدة الصينيين الرحمة مع هؤلاء الغلابة الذي حرموا من ثرواتهم الطبيعية ومن دينهم وأبسط حقوقهم الإنسانية.
إعلامي عربي في بكين، أظنه يشغل منصبا كبيرا في إذاعة الصين الناطقة بالعربية، قال لاذاعة البي بي سي، إن 28 مليون مسلم صيني، إذا سألتهم عن الإسلام، لا يعلمون عنه شيئا سوى كلمتي "الله أكبر". مليون فقط في رأيه هم الذين يعرفون بعض مبادئ الإسلام.
والله لم يقل الحقيقة. هؤلاء يصلون ويصومون ويزكون ويتطلعون كل سنة باشتياق كبير لأداء فريضة الحج، لكن الحكومة الشيوعية تفرض على الواحد منهم آلاف الدولارات كتأمين، وعندئذ لن يدفع لعدم المقدرة وبالطبع لن يتيسر له الحج.
إخوانهم في تركستان الغربية – الجزء المكمل لهم - الذي يشكل حاليا مسلمي آسيا الوسطى في تركمنستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وأوزبكستان. كل هذه الجمهوريات زرتها مرة واثنتين وثلاثا، في زمن الاتحاد السوفياتي حيث عاشوا في سجن كبير، ليس مسموحا لهم فيه الصلاة أو المساجد أو القرآن.
وزرتها بعد هذا الزمن عندما رحلت الشيوعية من روسيا ومن الكرملين نفسه، لكنها بقيت راسخة القدم، شديدة البلاء في الجمهوريات الإسلامية، دون أي تدخل من الدول الغربية والولايات المتحدة، كأن المسلمين يستحقون البلاء والطغاة والرقابة على حرياتهم الشخصية والعامة.
لكني وجدت رجل الثمانين يحفظ القرآن، وبنات صغيرات وصبية يحرصون على النهل من علوم دينهم في مدارس سرية داخل البيوت، مثل الكتاتيب التي وعيناها في قرانا. واستمعت لشيوخ يفتون من صحيح الدين. وما زالت ترن في أذني كلمات الأذان التي انطلقت خافتة بصوت مطمئن بحماية الله، داخل بيت استضافني للطعام، حل علينا خلاله وقت الصلاة.
لم يكن لهم بي سابق معرفة سوى أنني صحافي قادم في ذلك الحين من بلاد الحرمين الشريفين، ومع ذلك غمروني بحبهم وشوقهم كأنني أخ في أسرتهم كان غائبا أو ضائعا وعثروا عليه بعد سنوات طوال. ما زلت أتذكر تسابقهم على استضافتي، وكيف كانوا يتراصون على مائدة الطعام ليقرأوا ما تيسر من القرآن وبعض الأدعية.
هؤلاء هم أخوة في الدم والدين لتركستان الشرقية التي تشهد الإبادة الجماعية دون حراك منا، مع أننا نملك الكثير من رد الفعل الهادئ والمؤثر، أقلها ألا نبتاع من الصين هذه الثياب القطنية الرخيصة وفوانيس رمضان وألعاب الأطفال، وحتى السبحة وسجادات الصلاة!
لنتذكر دوما أن قميصا صينيا رخيصا من القطن، جاء من قهر مورس على المسلمين الايغور في أرضهم الخصية التي طردوا منها ليزرعها الغرباء المهجرون إلى وطنهم لابتلاعهم وتذويبهم.