خصص مجلس النواب جلسة الأحد الفائت للوقوف أمام تداعيات الطرود المشبوهة على الأمن العام الوطني. الجلسة التي أدارها الشيخ حمير بن عبد الله الأحمر نائب رئيس المجلس، توزعت نقاشاتها بين من اعتبر العملية مجرد مسرحية هزيلة ومكشوفة وبين من يرى أن تنظيم القاعدة يشكل تهديداً حقيقياً للبلاد، وثالث الآراء انصب على وسائل الإعلام واتهمها بتضخم الموضوع "والانسياق وراء الدعاية الأميركية والصهيونية". ففي حين رفض النائب المؤتمري عبده محمد بشر إلصاق تهمة الإرهاب باليمن، رفض بالمقابل النائب البارز في حزب الإصلاح المعارض أي تدخل خارجي في اليمن، وطالب مجلس النواب أن لا يرفع جلساته إلا بعد أن يتكلم بصراحة وأن يكون له رأي في الموضوع.
من جانبه علي أحمد العمراني ، قدم مداخلة مركزة قال فيها:" إن بلادنا في خطر". وأضاف مشدداً بلغة حازمة: "هناك رسائل ينبغي أن توجه من هذا المجلس إلى أجهزة الأمن في بلادنا التي تأخذ نصيب الأسد من الموازنات وتقدم أداءً دون المستوى المطلوب منها". والرسالة الثانية وجهها علي العمراني إلى خطباء المساجد وعلماء الدين ودعاته: "هو إن الجهاد الذي تسكتون عنه هذه الأيام ليس جهاداً وإنما حان الوقت لعلماء الدين لأن يصارحوا أبناءنا بصوت واضح أن هذا الجهاد ضار بالأمة".
وفي ذات السياق قال النائب عن إحدى مديريات مدينة عدن محمد النقيب (مؤتمر)، إن ما جاء في الصحف وبث في التلفاز "شيء مؤلم وإن بلادنا أصبحت مستهدفة وهناك جهات استخباراتية دولية تريد أن تجعل من اليمن بؤرة الإرهاب". وأضاف: "نحن دولة إسلامية ونحب السلام، ونعلم أن المسلم هو من سلم المسلمون من لسانه ويده".
لكن الرسالة التي وجهها العمراني إلى خطباء المساجد استنفرت النائب الإصلاحي والخطيب في إحدى أكبر مساجد مدينة تعز، الذي وقف: "إن العلماء والخطباء والدعاة يقومون بواجبهم ويجب أن توجهوا اللوم إلى الإعلام وإلى المحاضن التربوية وأن تصلحوا المناهج التعليمية"، متهماً الصحافة لكونها- كما قال- تخوض حرباً ومعارك لا أول لها ولا آخر في قضايا هامشية وتهمل هذه القضية المحورية.. منوهاً إلى أن الواجب يقتضي أن يبحث الناس في أسباب الظاهرة ودوافعها وأن تخضع للنقد والتقييم والبحث العلمي وليس للحديث الإنشائي المرتجل الذي يعبر عن موقف آني.
أما صخر الوجيه فقد اعتبر ما حدث إساءة لكل اليمنيين في الداخل والخارج، وتساءل متعجباً: "ألم تلاحظوا معي أن سياستنا الإعلامية حاولت التضخيم من أمر القاعدة". مطالباً الدولة أن تستخدم سياسة رشيدة تجاه هذه الآفة " قبل أن ندين الآخرين".. مؤكداً إدانته للتدخل الأجنبي في شئون اليمن.. ولفت الوجيه إلى الحوادث المتلاحقة بشأن القاعدة والضربات الجوية وكيف تعاملت الحكومة مع مجلس النواب إزاء هذا الموضوع بدون مسئولية، وقال الوجيه: "لقد وعد نائب رئيس الوزراء، على خلفية الضربة الجوية التي راح فيها نائب محافظ مأرب، وعد بتقرير يصف فيه ملابسات الحدث ولم يوف، ومثله حادثة المعجلة وغيرها وغيرها ".
أضاف الوجيه: "يجب على الحكومة أن تخضع لسلطة البرلمان الرقابية، ويجب على مجلس النواب اليوم أن يتخذ موقفاً قوياً ضد من سمح بتلك الضربات في عبيدة وفي أبين بسلاح أجنبي وراح ضحيتها الأبرياء والعزّل".
هناك آراء أخرى تركزت باتجاه اللوم الشديد للأحزاب والقوى السياسية التي تواجه هذا التحدي في هذا الظرف بمزيد من الانقسامات، وقال يحيى سهيل الحرجوج: "أيها الإخوة إن خلافاتنا الداخلية أحزاباً وقوى سياسية في هذا التوقيت بالذات لها تأثير بالغ على أمن الوطن". وأضاف بلغة مريرة: "علينا أيها الإخوة أن نعيد النظر في علاقاتنا ببعضنا كواجب وطني تقتضيه المصلحة العليا وتفرضه اللحظة". مشدداً على أن الخلاف هو الذي أوصلنا إلى هذه الحالة الراهنة.
وفي ذات الموضوع تحدث النائب المؤتمري المعارض عبد العزيز أحمد جباري مؤيداً للرسالتين التي اقترحهما علي العمراني، وقال جباري: " إننا بدون شك يجب أن نرفض أي تدخل أجنبي في بلادنا، لكن عندما تكون اليمن خطراً على العالم، فما هو الموقف الصحيح الذي يجب أن يتخذه هذا المجلس"؟ . وأضاف قائلاً: "الوضع خطير في اليمن أيها الأخوة، خطير وعلينا كيمنيين الابتعاد عن اللعب بورقة القاعدة لأننا في نهاية المطاف سنتأثر جميعاً".
وطالب جباري قادة الأحزاب السياسية في اليمن أن يستشعروا مسؤلياتهم وأن يستنفروا ضمائرهم لأجل الوطن، وأن لا نترك لهذا التهديد فرصة ليجد المبرر".
أما سعيد مبارك دومان، وهو نائب إصلاحي، فقد عبر عن خشيته من هذه التهديدات وطالب اليمنيين "أخذها مأخذ الجد". وأضاف: "اليمن ليست فقط من اليوم في مرمى الاستهداف ولكن هي مستهدفة والتآمر عليها قديم وأخشى أن يجد المتربصون بها المبررات للتدخل". وقال دومان الإرهاب الذي يشكو منه العالم اليوم إنما جاء كرد فعل لما يفعله النظام العالمي الجديد وما يرتكبه من أعمال وحشية بحق الشعوب المستضعفة ولما يمارسه من مذابح يومية بحق أبناء الشعبين العراقي والفلسطيني". لكن زميله في حزب الإصلاح صالح السنباني يرى الحالة القائمة في اليمن بأنها ليست "سوى مسرحية مكشوفة". نافياً أن تكون " الطرود" قد أعدت وجهزت ثم أرسلت من اليمن لكون اليمنيين المساكين لا يملكون هذه التقنيات المتطورة التي سمعنا".. متهماً العدو الصهيوني الذي يمتلك هذه التقنية بإرسال تلك الطرود، ومستشهداً بقضية القيادي في حركة حماس واغتياله في دبي بتدبير "تقنيات وإمكانيات الموساد الصهيوني".. وقال السنباني، وهو أستاذ جامعي متخصص في علم النفس: "للأسف الشديد لكوننا في كثير من الأحيان سطحيون وننجر وراء الإشاعات دون تروٍ وتبين". وقال: "كان يفترض أن لا يعلن عن إلقاء القبض على تلك الطالبة المشتبه بها إلا بعد أن تنتهي التحقيقات".
وكموقف مسئول عن كتلة الحزب الحاكم، وقف أحمد محمد صوفان نائب رئيس الوزراء السابق ليقول: "إن ما يجري اليوم داخل هذه القاعة من نقاش هو يعبّر عن موقف موحد تجاه القضية".. وأضاف:"لا شك أننا في هذا المجلس نتحمل المسئولية، ويجب أن نكون منصفين ومقدرين لما تواجهه اليمن اليوم من تحديات كبيرة". وأخذ صوفان يستطرد النشوء المتتابع لتنظيم القاعدة في اليمن منذ العام 1992 ومحاولة تفجير عدد من الفنادق السياحية في عدن، وقال: "لقد تكبد اليمن منذ ذلك التاريخ بفعل أعمال الإرهاب خسائر اقتصادية وتنموية كبيرة، ولقد حان الوقت اليوم لأن نقف جميعاً في وجه هذا النشاط الإرهابي". وطالب بعض المتحدثين "أن يكفوا عن اتهام العالم بأنه متآمر علينا". كما طالب مجلس النواب بأن يرسل برقية مآزرة وتأييداً "لفخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح".
بيان عن المجلس تمخض النقاش حول موضوع " الطرود المشبوهة" داخل البرلمان يوم الأحد الفائت، عن بيان، جاء فيه: " إن مجلس النواب يدعو كافة وسائل الإعلام الرسمية والحزبية والأهلية وكذا خطباء وأئمة المساجد ورواد العملية التعليمية إلى التعامل مع هذه القضية بموضوعية ومهنية عالية والقيام بدورهم التثقيفي التنويري لخلق الحصانة اللازمة التي تمنع النشء من الوقوع في براثن الأفكار المدمرة التي تضر بمصالح اليمن وتتنافى مع قيم الدين الإسلامي ومبادئه السمحة".
ودعا البيان الذي أعدته لجنة مشكلة من كتل مختلفه برئاسة أحمد صوفان، دعا إلى الاصطفاف الشعبي والرسمي لمواجهة هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا، كما عبر البيان عن رفض مجلس النواب للأعمال الإرهابية بكافة صورها وأساليبها، وعبّر عن دعمه ومآزرته للسياسة العامة للدولة في مواجهة الأعمال الإرهابية، ويؤيد ما جاء في حديث فخامة رئيس الجمهورية في المؤتمر الصحفي يوم أمس (السبت) الذي أكد فيه أن الإرادة السياسية اليمنية كفيلة بمواجهة الإرهاب ورفض اليمن لأي تدخل خارجي في الشأن اليمني الداخلي.
البعض اعتبرها مجرد مسرحية، والبعض اتهم الإعلام بتضخيم القاعدة، في حين يرى كثيرون أن الإرهاب يشكل تهديداً حقيقياً لأمن اليمن.