ثمة مخلوقات بائسة تقرر احوال البلاد والعباد، يقنعون انفسهم بوهم التميز والاصالة الأعلى ، فيتعاملون مع المستقبل والوعي بشكل عدائي سافر : المشائخ . كل شيخ يشبه الآخر-إلا فيما ندر- وهؤلاء يحاولون اكتساب صفات الرسل ، بينما هم مجرد أدعياء من الدرجة الصفر .
أتحدث هنا عن الذين لا يحملون صفات وطنية حقيقية ، عن المشوهين من الداخل ، الذين يشرئبون في العتمة ، وزهوهم الوحيد إذلال البشر، بينما آذانهم متهدلة ولايسمعون أنين من يظلمونهم : اؤلئك الذين لم يكتفوا بتدمير الإنسان فقط، حتى أصبحوا عذابا على البسطاء، وإنما يخربون الطبيعة وقيمها أيضاً ، فهل نتوقع انهم ينامون جوعى أو حزانى في مساء بارد وفقير على سبيل المثال ؟!
إن المطلب الغائب . المطلب الذي صار يحضر بشدة . المطلب الذي كان يفترض على الثورة أن تأتي به، هو كبح جماح عكفة الائمة : مشائخ هذا النوع الذين جاءوا من لحظة الإنحطاط التاريخي واستمرأوا تحويل تاريخنا كله منحطاً كمجتمع وكشعب .
مشيختهم لاتعدو أكثر من خراب في الروح ، وهم يسخرون من طيبة الفلاحين الطيبين معتمدين في ترسيخ نفوذهم على التجهيل والإقهار والنفوذ السلطوي ، كما ليس من تبرير عقلاني صائب يمكنهم ان يقنعونا به لتصرفاتهم المرضية الموبوءة وطنياً تلك .. فمتى ستتخلص اليمن من صفاتهم اللعينة ؟
إن الحرية اكبر قوة في الكون ، ونمط مشيخة هؤلاء : قوة كافرة . وإننا لنرفض ان يختزل الشعب الى سلسلة من العبيد، فيما علينا ان نقف ضد تعاليهم الهمجي الشرس على كينونة من حولوهم الى سخرة، وخلافاً من هيمنتهم الحيوانية على حقوق الانسان .
مشائخ برغبات عفاريت شريرة لايحترمون غير نشوة الجبروت للأسف . مشائخ الرؤية السيئة للمواطنين كرعايا، وكمنظومة معيقة للتحديث والتمدن : يبدو تحدي المواطنة عادتهم الشهية التي لايمكنهم مقاومتها، فهل سيتحررون من انفسهم يوماً .؟ من نزعاتهم التدميرية ، واستخفافهم بالناس طوال حياتهم ؟
تحيتي وأكثر لماتبقى من المشائخ الوطنيين -الذين يتوجب انصافهم- قبل ان يندثروا بالطبع ، أؤلئك الذين تخففوا جداً من الاسلوب المشائخي التقليدي العنصري –في بلد كاليمن ليس من السهل فيها على هذه الشريحة بالذات تفعيل قيم التطور دون مجازفة بالغة _ بحيث يتيحون مجالاً خصباً للتحول التاريخي بإتجاه التقدم ولغة الارتقاء ، إذ أن الحزازت اللاوطنية و لغة العنف لاتنتميان أبداً لمعنى الوطن ولماهية المواطن ، كما للقانون ولمشروع الدولة الذي يغيب.
مثل هؤلاء الندرة جداً: لم يجعلوا ابناء مناطقهم عرضة لاعتداءاتهم السافرة اوطيش الاستبداد ، وأيضاً لم يبيعوا فيهم ويشترون لصالح السلطة، أو لتحقيق وهم ذواتهم المقدسة ، بقدر ماساهموا في تنمية احساسهم بالفرادة الشخصية وكرامتهم كإنسانيين ، غير مهملين بالتالي لقيم العصر في نمط ممارساتهم الإنسانية المشرفة هذه ، والتي تليق فعلاً بوطن للجميع : وطن يتردى فيه البغض والشقاء والحقد والطائفية والتخلف والسلاح وهيمنة مراكز القوى وبشاعة الافكار الاقصائية ، لصالح المحبة والرخاء والتسامح والسلام وحق الاختيار الفردي والتنمية والسعادة وواحدية الآمال النبيلة.