ثمة مخلوقات بائسة تقرر أحوال البلاد والعباد، يقنعون أنفسهم بوهم التميز والأصالة الأعلى، فيتعاملون مع المستقبل والوعي بشكل عدائي سافر: المشائخ. كل شيخ يشبه الآخر -إلا فيما ندر- وهؤلاء يحاولون اكتساب صفات الرسل، بينما هم مجرد أدعياء من الدرجة الصفر. أتحدث هنا عن الذين لا يحملون صفات وطنية حقيقية، عن المشوهين من الداخل ، الذين يشرئبون في العتمة، وزهوهم الوحيد إذلال البشر، بينما آذانهم متهدلة ولايسمعون أنيناً من يظلمونهم: اؤلئك الذين لم يكتفوا بتدمير الإنسان فقط، حتى أصبحوا عذاباً على البسطاء، وإنما يخربون الطبيعة وقيمها أيضاً، فهل نتوقع أنهم ينامون جوعى أو حزانى في مساء بارد وفقير على سبيل المثال؟!
لهم كروش ولدينا قروش، لهم عروش ولدينا نعوش: يفرضون سطوتهم باحتقار القانون ، ويشوهون الضمائر دون أن يكترثوا، ولقد بلغ غيهم ذروات شاهقة . يرغموننا على منطق اللامساواة معتقدين ببلاهة صفيقة أننا لابد أن نبتهج تماماً ،كما يعبدون البقع وجرائم الفساد والاستحواذ على مقدرات الدولة ونهب المال العام والشحت في الخارج باسم الشعب . في حين أن خيارهم الأخير هو الانحياز لبشاعتهم وصلافتهم ، وعلى محياهم يتضح رغد بؤسنا العميم. كذلك يحقدون علينا وكأنه لايمكن أن يوجد أفضل منهم لإدارة البلاد، وكأنهم ملائكة نزلوا من السماء لإنقاذنا “ فكيف لا نتجمّل ؟” ، وكأننا نحن من سرق اللقمة الكريمة من أفواههم وليس العكس: عنجهيون ماكرون فازوا بكل شيء في هذه البلاد حتى لعناتنا عليهم ، فيما يبذلون مافي وسعهم حتى يكونوا قدراً لايمكن تغييره، وكأننا رعيتهم الخاصة. والحاصل ان أنقى عناصرهم فاسد بلاحدود ،وهم عوائق التنوير والتقدم والحلم بوطن حقيقي منذ انقلاب نوفمبر ومأساة أغسطس وتشويه حركة 13 يونيو الخضراء وإعلان حرب 94. على أن الحكم دائماً مسئولية إلا عند هؤلاء يبدو غنيمة فقط . ويقول التاريخ إن من يستأثر بالسلطات لايقود سوى إلى استثارة الحس ضده. فالواضح أن السخط الشعبي من هذا التسلط المجنون لابد أن يفيض خصوصاً مع تفاقم نسبة المظالم الاجتماعية والمضار الاقتصادية على الناس. فوق ذلك كله يريدوننا أن نعترف بعبقريتهم الوطنية، فيما يصفون كل من يقول لهم: “ لا” بالخروج عن الثوابت وخيانة البلاد. وبينما يمعنون في ممارساتهم السيئة ضد التاريخ والعصر والمستقبل، يتكثف تاريخهم الفكري والاجتماعي في النخيط والغلبة والشللية ومنطق “ أربعين بأربعين وعشرين للخُبرة” الخ . المشكلة أنهم يرون أنفسهم كنعيم الفردوس وهم في مستوى الجحيم قيمياً وأخلاقياً، فلا يهمهم مثلاً كيف ستصبح البلاد غداً لأن لهم في أوروبا وكندا قصوراً أثيرة وأرصدة لا تنتهي . وإذ يضبطون إيقاعاتهم على نشاز الفهلوة والاستخفاف والكيد ، تصير رغباتهم جامحة وتتسارع من اجل الاستغفال والاستغلال والبطش ليس إلا . لكن الأرجح أنهم يثأرون من عُقد نقص دفينة ومتأصلة بطرق حكمهم الفظيعة والبغيضة واللاوطنية تلك. ولقد صارت كل أشجار الثورة والجمهورية والديمقراطية والوحدة حطباً ورماداً بسبب ممارسات كائنات الخراب هؤلاء، التي تشعرنا بالمزيد من السخط والأسى.
إن المطلب الغائب . المطلب الذي صار يحضر بشدة . المطلب الذي كان يفترض على الثورة أن تأتي به، هو كبح جماح عكفة الائمة : مشائخ هذا النوع الذين جاءوا من لحظة الانحطاط التاريخي واستمرأوا تحويل تاريخنا كله منحطاً كمجتمع وكشعب. مشيختهم لاتعدو أكثر من خراب في الروح ، وهم يسخرون من طيبة الفلاحين الطيبين، معتمدين في ترسيخ نفوذهم على التجهيل والإقهار والنفوذ السلطوي ، كما ليس من تبرير عقلاني صائب يمكنهم ان يقنعونا به لتصرفاتهم المرضية الموبوءة وطنياً تلك .. فمتى ستتخلص اليمن من صفاتهم اللعينة؟ إن الحرية أكبر قوة في الكون ، ونمط مشيخة هؤلاء : قوة كافرة . وإننا لنرفض ان يختزل الشعب الى سلسلة من العبيد، فيما علينا ان نقف ضد تعاليهم الهمجي الشرس على كينونة من حولوهم الى سخرة، وخلافاً من هيمنتهم الحيوانية على حقوق الانسان.
مشائخ برغبات عفاريت شريرة لايحترمون غير نشوة الجبروت للأسف . مشائخ الرؤية السيئة للمواطنين كرعايا، وكمنظومة معيقة للتحديث والتمدن يبدو تحدي المواطنة عادتهم الشهية التي لايمكنهم مقاومتها، فهل سيتحررون من انفسهم يوماً ..؟ من نزعاتهم التدميرية ، واستخفافهم بالناس؟ تحياتي وأكثر لما تبقى من المشائخ الوطنيين -الذين يتوجب إنصافهم- قبل ان يندثروا بالطبع ، أؤلئك الذين تخففوا جداً من الاسلوب المشائخي التقليدي العنصري –في بلد كاليمن ليس من السهل فيها على هذه الشريحة بالذات تفعيل قيم التطور دون مجازفة بالغة _ بحيث يتيحون مجالاً خصباً للتحول التاريخي باتجاه التقدم ولغة الارتقاء ، إذ إن الحزازت اللاوطنية ولغة العنف لاتنتميان أبداً إلى معنى الوطن ولماهية المواطن ، كما للقانون ولمشروع الدولة الذي يغيب. مثل هؤلاء الندرة جداً لم يجعلوا ابناء مناطقهم عرضة لاعتداءاتهم السافرة او طيش الاستبداد ، وأيضاً لم يبيعوا فيهم ويشترون لصالح السلطة، أو لتحقيق وهم ذواتهم المقدسة ، بقدر ما ساهموا في تنمية احساسهم بالفرادة الشخصية وكرامتهم كإنسانيين ، غير مهملين بالتالي لقيم العصر في نمط ممارساتهم الإنسانية المشرفة هذه ، والتي تليق فعلاً بوطن للجميع. وطن يتردى فيه البغض والشقاء والحقد والطائفية والتخلف والسلاح وهيمنة مراكز القوى وبشاعة الافكار الاقصائية، لصالح المحبة والرخاء والتسامح والسلام وحق الاختيار الفردي والتنمية والسعادة وواحدية الآمال النبيلة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك