من يتابع فقط شريط الأخبار الموجز المكتوب في أسفل شاشات بعض القنوات الفضائية العربية ستنتابه مشاعر من الحيرة والألم والخوف، خاصة بما تحمله من أنباء غير سارة من وطننا العربي والاسلامي بالذات، فلا يمر يوم من دون أن تحمل نبأ عن انفجار، عملية انتحار، اطلاق النار، عبوة ناسفة، قصف جوي، يذهب ضحيته الكثير..!! ثم أنباء أخرى مثل: خطف، سجن، محاكمة، ألقي القبض، ناهيك عن العثور على جثة مجهولة، أو مقطعة الأطراف، أو على مقابر جماعية..!! ولعل القاسم المشترك لهذه الأنباء هو الاحتلال والصلف الاسرائيلي الصهيوني.. واحتلال العراق.. ووجود قوات التحالف في أفغانستان.. وبراكين الفوضى الخلاقة.. والديمقراطية المنشودة، وإثارة النزعات والفتن الطائفية والمناطقية والمذهبية.. والأحقاد الدفينة..! إنه واقع قبيح وسيئ جداً يضع أيدينا على صدورنا هلعاً من مستقبل الأيام القادمة، تلك التي لاندري كيف سنعيشها بعد..!! وبأي قوالب وصياغات ومبررات للموت والخراب والدمار.. فهكذا يبدو أن دمنا العربي والاسلامي مباح.. وزهيد الثمن.. وهكذا يتفرج العالم علينا - صباحاً ومساءً - ليروا دمنا المهدور.. وجراحاتنا النازفة.. ودموع الثكالى.. ودموع الرجال والأطفال وأشلاء أجسادنا المحروقة.. والمتطايرة..!! نعم هكذا يبدو المشهد القاسي اليوم وفي صور مرعبة فظيعة متجردة من كل القيم والأخلاقيات، في شعار الغابة، والحصار، والظلام هو السائد، ويلقي بظلاله وبشاعته على كل شيء: البشر والشجر والحجر. واقع عرفنا فيه أسماء ومصطلحات وتصنيفات لم نكن نعرف بها، أو لم نكن نريد إظهارها على السطح.. فقد عرفنا أن هناك شيعة وسنة ويهوداً ومسيحيين.. وأن هناك أكثرية وأقلية.. وأن هناك سلطة ومعارضة.. وهناك سجوناً للتعذيب يجرد فيها الانسان من آدميته..!! حتى أن أغنية «وطني الأكبر» ونشيد «بلاد العرب أوطاني».. لم تكن سوى كذبة كبرى.. وأن الحلم والوحدة والقومية العربية مجرد سراب.. ووهم كبير!! وللأسف الشديد هناك اليوم من يجرنا إلى عصر الخيمة، والعشيرة، والقبيلة.. وإلى حرب البسوس، والناقة والجمل، وأن يعلق على أسوار وحدود وطننا الكبير معلقات جديدة من قصائد الهجاء والذم والرثاء..!! كيف آن لنا أن نساهم وأن نسمح بتقطيع أوصال جسدنا ونبضنا ولغتنا الواحدة؟!! كيف بلغ بنا الأمر إلى تفكيك الجغرافيا.. والتاريخ المشترك؟! فظيع اليوم مايجري.. والأفظع منه أن نغض الطرف.. أو نحمل معول الهدم والانكسار، لنخنق وبكلتا أيدينا وطننا وأمتنا..!! فظيع اليوم مايجري لأنه يترك هذه البقعة من خارطة العالم والغنية بالثروة والتاريخ في زاوية الشقاء والتقزم..!!