بعد أن عاش اليمنيون عاماً حافلاً بالتحديات منذ قيام النيجيري عمر فاروق عبدالمطلب بمحاولة تفجير طائرة أمريكية فوق ديترويت 24 ديسمبر 2009م، جاءت قضية الطرود الملغومة التي أُعلن عنها يوم الجمعة الماضية (29 أكتوبر 2010م) لتضع مسار الأحداث في اتجاهات جديدة ولتكشف عن طبيعة التطورات المرتبطة بعلاقات اليمن الدولية والإقليمية.. وحيث أن ملف اليمن قد ظل خلال العام المنصرم يتحرك داخل مثلث (الرياض- لندن – واشنطن) فإن مؤتمري لندن (27 يناير 2010م) ونيويورك (24 سبتمبر2010م) قد أعطيا الرياض تفويضاً مفتوحاً لتكون هي في واجهة مشهد التعاطي مع أبرز التطورات التي تشهدها الساحة اليمنية، وذلك في إطار التخفيف من حساسية الأدوار المباشرة التي تقوم بها كل من واشنطنولندن. بحكم خبرة الرياض الطويلة في التعامل مع صنعاء، وطموحاتها في إضفاء مزيد من الهيمنة على مراكز اتخاذ القرار اليمني، في ظل بروز قوى إقليمية منافسة تريد أن يكون لها حضور فاعل داخل الساحة اليمنية كما هو الحال بالنسبة لإيران.
ولاشك أن دور المملكة الجديد القديم، سوف يأخذ أبعاداً متعددة في هذه المرحلة: فهي معنية بتنفيذ السياسات المطلوبة أمريكياً وبريطانياً، وتحمّل التكاليف اللازمة في إطار ذلك. والمملكة تريد مواصلة تنفيذ استراتيجيتها المرسومة منذ الحرب اليمنية السعودية عام 1934م.
ثم إن المملكة أصبحت الآن أمام تحديات أمنية جديدة بعد المواجهات العسكرية التي حدثت بين الجيش السعودي والحوثيين، وتصاعد عملية الحرب ضد الإرهاب، والاستحقاقات الدولية والإقليمية المترتبة على ذلك.
وفي هذا السياق يمكن الحديث عن موضوع ما سُمي الطرود المفخخة، والتي ظهرت فيها المملكة كصاحب دور محوري فيما يخص جانب التحكم بالمعلومات الاستخباراتية وأسلوب إدارة إعلان الحدث والتعاطي السياسي والإعلامي معه، فبدا النظام اليمني محشوراً في زاوية المتهم بصورة اتوماتيكية والمسلوب الإرادة عن اتخاذ أي إجراء سياسي وقائي أو دفاعي. وهو ما يعني أن العلاقات اليمنية السعودية ليست على مايرام، وأن نظامي الحكم في البلدين هما الآن في حالة من التربص المتبادل، حيث أصبحت القضايا الأمنية هي أوراق الضغط الأكثر تأثيراً وفاعلية.
وإذا كانت المملكة بهذه الضربة الموجعة، استهدفت كشف إمكانيات الأجهزة الأمنية اليمنية وتعرية قدراتها أمام الحلفاء الغربيين، فإنها بذلك قد أرادت التأكيد لهؤلاء الحلفاء أن الرياض قادرة فعلاً على مسك زمام الملف الأمني اليمني، كأولوية مُلحة، والذي يمثل محور اهتماماتهم، وذلك بالنظر إلى أن معظم الملفات السياسية هي ممسوكة أصلاً من قبل، مع فارق جديد هو أن الملف الأمني سيكون بوابة الملفات السياسية الأخرى، التي قد تأخذ حقها من النقاش والبحث في لقاء مجموعة أصدقاء اليمن، في الرياض (فبراير 2011م).
وهذا ما يجعلنا نتساءل عن علاقة قصة الطرود باجتماع الرياض المرتقب، وماهي الاستحقاقات التي حملتها رسالة الطرود لصنعاء كي تعد نفسها للإيفاء بها.
وبالنظر إلى أن الملف الأمني هو بوابة العبور الجديدة، فهل يعني ذلك أن السياسات الأمنية السعودية التي أدت إلى دفع تنظيم قاعدة الجزيرة العربية باتجاه اليمن، ستكون كفيلة بمواجهة هذا التنظيم وتحجيم دوره على مستوى الساحة اليمنية مثلاً، أم أن السحر سينقلب على الساحر..؟؟
ثم ما هي الضمانات التي ستجعل إمساك المملكة بالملف اليمني كاملاً يحظى بالنجاح..؟ فالرياض ظلت خلال العقود الأربعة الماضية مهيمنة وحاضرة بصورة قوية داخل أبرز مفاصل السلطة الحاكمة، وعلى مستوى التكوينات القبلية المرتبطة بالسلطة أيضاً. ومع ذلك لم تستطع الرياض تحقيق أي نجاح إيجابي يخدم حاضر بناء الدولة ومستقبل تطلعات اليمنيين.