عندما زارت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس مصر؛ سعت الحكومة المصرية إلى إظهار الأوضاع في البلد في حسن صورها، إذ سمحت لأحزاب المعارضة وكذلك الناشطين السياسيين بممارسة حقوقهم الديمقراطية؛ سواء بإقامة المظاهرات والاعتصامات دون أي مضايقات أو تعسفات وسجون. حينها أدرك الشارع المصري سر هذا التعامل الحضاري، وغاية هذه النعمة المهداة، وهتف المصريون لرايس «بركاتك يا ست». غادرت الست رايس أرض المطار ببركاتها وعاد الشارع المصري إلى سالف عهده. خلال فترة الاحتفال بالعيد العاشر للوحدة سخرَّت حكومتنا الرشيدة كل طاقاتها، وبذلت كل جهدها من أجل إنجاح الاحتفال، وكذلك من أجل إظهار العاصمة بأبهى حللها، فسارع الوزراء وكبار السياسيين في الدولة لترتيب أوضاعهم وتأثيث بيوتهم، وكلف كل وزير برئاسة لجنة استقبال وفد زائر، كل حسب ما يملكه من علاقة بالوفد، لذلك اختفت المظاهر السلبية من شوارع العاصمة، وعاش الناس فترة نقاهة بسيطة، ببركات قدوم السادة والسيدات ضيوف وضيفات اليمن. قام الأمن بدوره، فلم نشاهد مظاهر التجول بالأسلحة في شوارع العاصمة، أو نسمع أصوات أزيز الرصاص التي تنبئ عن اقتتال على أرض بضواحي المدينة. كذلك حركة السير في الشوارع سهلة وميسرة لمستخدميها بدون شارات «على جنب يا هايلوكس» «اجزع يا دبدبي» حتى المجانين وساكني الأرصفة أخذوهم.
المهم أدرك المواطن البسيط أن النظام الحاكم لديه القدرة على إحداث حركة تغيير حضارية سواء على مستوى الأرض أو الإنسان، مثلما فعلت الأنظمة الحاكمة في البلدان المجاورة، إذا ما توفرت لديها النية الصادقة للتغير.
ومثلما غادرت الست رايس أرض مصر ببركاتها غادر السادة والسيدات ضيوف اليمن، وعادت كل المنغصات إلى حياة «أبو يمن» من جديد.
هذه الأيام تشهد بلادنا بركات المستديرة الساحرة (بطولة خليجي 20)، بعد فترة طويلة من الكر والفرّ الإعلامي حول إقامتها أو تأجيلها، وتكللت الجهود بالنجاح ومشت البطولة «زي الفل» بشهادة الإخوة الخليجيين خصوصاً وبلادنا تستضيف هذا الحدث لأول مرة.
30 ألف جندي و10 آلاف رجل استخبارات تعد بركة من بركات المستديرة التي حلت علينا، وبالطبع منافذ البلاد براً وبحراً وجواً مفتوحة أمام القادمين كوردة صباح مشرق، وبالتأكيد اختفت مظاهر الروتين المملة، وأعلنت الرشوة والتعسفات وغيرها من الممارسات التي يواجهها أبو يمن إجازتها حتى نهاية البطولة.
المؤمل أن بركات البطولة ستشمل اختفاء الشحاذين من الشوارع، إذ إن من المألوف أن تقع عين أبو يمن على عاهات وأمراض هؤلاء، وليس من الطبيعي أن يرى أحد الضيوف الخليجيين مثل هذه المناظر.
بركاتك يا كرة القدم حلت علينا، لا تغيير في المواصفات الهندسية في الملاعب التي بنيت، غش في بناء الفنادق، لا تهاون مع مقاولي الطرقات، لا هوادة مع المقصرين في أداء واجباتهم الوظيفية، لا... لا... لكل ما يحصل من عتب وتقصير في المشاريع التي تخص أبو يمن لذاته ولا تتعلق بمن سواه.
سيظل من حقنا أن نسأل عن سر التعامل الذي تنهجه الحكومة مع أبناء جلدتها: أي سر الاحتقار والتهميش ونكران المطالب المشروعة، فما إن يغادر الضيوف إلا وغادرت معهم كل الإيجابيات، أليس من حقنا أن نتساءل: لماذا لا تبذل الحكومة مثل هذه الجهود لحل قضايا الناس كالثأر والتقطعات وانتشار الحروب بين القبائل؟
لماذا لا تحظى الطرقات الرئيسية التي تربط بين المحافظات بمثل هذا النجاح في التصميم والتنفيذ، خصوصاً وقد بلغت حوادثها مبلغاً لا يطاق؟
لماذا لا يسعى الحاكمون القرار إلى تغيير أوضاع الناس أسوةً بما يفعله حكام الخليج لشعوبهم فضلاً عن الحياة الكريمة التي يحضون بها. فالتقليد والمضاهاة للإخوة في الخليج يجب ألا تقتصر على كرة القدم فحسب؛ بل إن من الواجب أن يبدأ بما هو أهم وأحوج لحياتنا.