تبدو محافظة الجوف مرشحة للسقوط بعد صعدة في قبضة جماعة الحوثي في ظل غياب كامل للدولة، وانفلات أمني خطير تحصد فيه الأرواح تحت سمع وبصر الجميع. ففي هذا العام لم يتمكن طلاب خمس مدارس في منطقة الزاهر من اختبار الشهادة الثانوية، بعد أن تمت السيطرة على المدارس وأصبحت مقراً لجماعات مسلحة، دون أن تفعل الدولة أي شيء. فمدرسة الخزيع، ومدرسة سوق دعامة، ومدرسة السموم، ومدرسة الزاهر المدينة، ومدرسة المسيني وغيرها تم الاستيلاء عليها وعلى المساجد في ظل خطة للسيطرة عليها، لتكون تابعة تماماً، وهو ما حصل في عدد من المديريات في محافظة صعدة. منطقة الزاهر في محافظة الجوف كانت ساحة لانفلات أمني قبل خمسة أشهر راح ضحيته 40 فرداً من القبائل المدعومين من أحد رجال الدولة وجماعات الحوثي. كان من ضمن القتلى أمين عام المجلس المحلي عبدالوهاب الضمين والشيخ عبد الله عشيش، ولا زالت القضية مفتوحة ومرشحة للتصعيد. تكرر المشهد قبل حوالي أسبوع، ولكن بصورة طائفية، في مسجد علي بن أبي طالب في قرية الخزيع. يقول أحد المواطنين إننا سميناه بهذا الاسم لنثبت أننا محبون للإمام علي، عكس ما يشاع عنا من عداء لآل البيت، والمسجد بناه فاعل خير من إحدى دول الخليج، وهو المسجد الوحيد التابع للسنة في منطقة مغلقة للشيعة. حصلت محاولات متكررة للسيطرة على المسجد من خلال إحداث فوضى، ورفع الشعار المعتاد لدى الحوثيين، ومضايقة المصلين أثناء الصلاة وخطبة الجمعة، وجرى تهديد إمام الجامع، وكذا التهديد بإغلاق مدرسة التحفيظ التابعة للمسجد.
وكان المسجد قد أغلق لفترة أسبوعين كاملين عندما زاد التوتر بين الطرفين، وطلب الأهالي وبعض الأعيان تهدئة الموقف ليفتح يوم السبت الموافق 18/7/2009، وفي تمام السابعة والنصف من مساء اليوم نفسه دخل عدد من المسلحين إلى المسجد، وطلبوا من إمام المسجد زبن الله الحضور إلى "أبو صالح" (يصنفه أهالي المنطقة أنه قائد الجماعة في منطقة الزاهر، وقدم إلى المنطقة قبل عشرة أشهر). وعندما رفض الإمام الاستجابة لمطلبهم، باشره أحد المسلحين بطلق ناري في صدره أرداه قتيلاً، ثم اشتبك الطرفان، وجميعهم مسلحون فسقط ثلاثة قتلى من جماعة الحوثي وأصيب ثلاثة آخرون. ومن الطرف الآخر قتل إمام المسجد وأصيب والده بإصابة خطيرة، ولا زال يرقد في غرفة العناية المركزة حتى اليوم. كما أصيب شخص آخر، وعندما تجمع الأهالي لإسعاف المصابين، وعلى بعد 100 متر تقريباً، وبعد ساعة من الحادث في المسجد سقط علي هادي الفرجة، سائق السيارة التي كان فيها المصابون، وهو من منطقة أخرى من قبائل شنان لا صلة له بالحادث.
وفي اليوم التالي (ظهر الأحد 19/7) خرجت عشر سيارات من مقر المحافظة، على بعد عشرة كيلومترات من المنطقة لتعزية الشيخ القتيل على هادي الفرجة، وسلك القادمون طريقاً بعيداً عن القبائل التي يتمركز فيها الحوثي ليفاجأ الموكب بكمين على الطريق الساعة الرابعة عصراً، ودار اشتباك حتى الثامنة مساءً، نتج عنه سقوط قتيلين من القادمين مع الموكب، وهم طالب عبد الله المكي، وعامر على عبد، وجريح واحد هو صالح محمد سنان من قبيلة آل الأحمد أصيب بطلق ناري في وجهه. والقتلى والمصاب من منطقة بعيدة جاءوا مع الموكب من مركز المحافظة لتعزية قبيلة شنان في الشيخ الفرجة. وتطورت القضية إلى تصعيد آخر عندما أقدم جماعة من أتباع الحوثي، مساء الأحد الساعة الثانية بعد منتصف الليل، على إخراج نساء وأطفال أسرة علي علي الوزير بالقوة، ليتم تفجير بيته وتسويته بالأرض بكل ما يحتويه. وأهالي المنطقة يؤكدون الغياب الكلي للجهات الحكومية.